داعية للسلام العالمي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٣٠/يوليو/٢٠١٩ ١٥:٥١ م
داعية للسلام العالمي

بقلم - محمد بن رامس الرواس

قام جلالة السلطان بجولات عديدة في الدول العربية والغربية والولايات المتحدة ، وخلال محطاته المتعددة عمل على تهيئة المناخ لعملية تسوية سليمة عادلة تلاقي الاعتدال والمبادرات الفلسطينية الإيجابية ، وتنقذ المنطقة من خطر حرب جديدة محققة.

وقد زار السلطان مقر منظمة اليونسكو وكان أول حاكم عربي في ذلك 1989م ، ومما جاء في كلمته التي ألقاها في مقر المنظمة : «إن بلادنا قد حرصت على المشاركة في المشروع الكبير والخاص بإجراء دراسة شاملة لطرق تجارة الحرير أو الذي أطلق عليه : طرق الحوار بين الحضارات لتوعية الأجيال بأهمية الحوار «.

إن إيمان جلالة السلطان بقدرة الإنسان على أن يكون عنصر خير على هذه الأرض هو أفضل الأعمال الخيرة لصالح المجتمع الذي هو فيه ، وإذا قام كل إنسان بذلك ، فإن النتيجة العامة ستكون خيراً لكل البشرية ، وجلالة السلطان يرفض العنف ويرفض الحرب ويؤمن بالحوار والتفاهم للوصول إلى السلام ، وإذا كان هناك تهديد للسلام العالمي والدولى ، فهناك دائماً معطيات أولية يمكن أن تتفهم العوامل المشتركة عبر التاريخ وكيف تحققت من خلال التعاون لا الصراع ، لذلك أراد جلالته أن تكون بلاده مساهمة في هذا المشروع الحضاري الهادف إلى توعية وسلام عالميين.

ولقد نجح جلالة السلطان في تقديم البرهان العملي من خلال تمكنه من تسوية كافة المشاكل الحدودية التي كانت عالقة مع دول الجوار على أساس من القاعدة الإسلامية القائلة « لا ضرر ولا ضرار « والأكثر من ذلك تحويل المواقع التي كانت « بؤراً « للتوتر والصراع والانفجارات الدامية إلى مناطق للوفاق والتآخي وازدهار المصالح المشتركة وتثبيتها ، وهكذا كان الموقف تماماً في المنطقة الواقعة عند حدود السلطنة مع اليمن ، حيث قرر جلالة السلطان إنشاء « منطقة حرة « تتشابك فيها مصالح الشعبين الشقيقين العماني واليمني لتكون نموذجاً حياً للآخرين « إذا حسنت النوايا « أن يسلكوا طريق الوصول إليه ، تلك المدينة التي اختار لها السلطان بنفسه اسم « المزيونة «.

إن نهج جلالة السلطان خلال 50 عاماً من مسيرة السلام لايزال يقدم ثمرات حكمته عبر احترامه للقوانين والنظم السلمية والمعاهدات الدولية عبر نهج قويم وسياسة واثقة.

لقد أثمر النهج السلطاني السامي من خلال الدور الذى قامت به سلطنة عمان لإعادة مصر إلى الصف العربي في قمة الرباط التي عقدت عام 1989م بعد قطيعة عربية – مصرية دامت عشر سنوات وهي الوجه البشوش الذي لا تيأس عيناه الواثقتان من عناء البحث عن نقطة بيضاء في ثوب حالك السواد ، وهي الأكثر قبولاً لدى الأطراف العربية على اختلاف مشاربها، الأمر الذي يجعلها المرشح الأول للقيام بدور « الوسيط الأمين « على المصالح العربية العليا ؛ فرصيدها من التجارب السابقة يثبت وعيها الكامل بالمتغيرات وحفاظها المستمر وتمسكها « بالثوابت « في وقت ترتفع فيه الأصوات المطالبة بضرورة البحث عن مخرج ملائم للوصول إلى مصالحة عربية من أجل الحوار داخل البيت العربي ، وهي الطرف الوحيد القادر على أن يلعب دور الوسيط للحل ونزع فتيل الخلافات .

وما تكتسبه عمان وقيادتها من احترام خليجي متزايد لم يكن وليداً للصدفة إنما هو نتاج طبيعي لتراكمات إيجابية صنعتها مواقف عقلانية اتسمت بالواقعية والصدق مع النفس كما هو مع الآخرين ، تلك المواقف التي تبدت في أكثر من مناسبة على الصعيد الإقليمي ؛ فعلى مدى السنوات الثمانية لحرب ضروس دارت رحاها بين العراق وإيران ، وبينما كانت دائرة النار تتسع والكل يلملم عباءته تحسباً من أن تطاله ، نجحت في تأمين شعبها عبر علاقات متوازية ومواقف متزنة بين طرفي الصراع ، فحافظت على حسن الجوار واحتفظت بصداقة الشقيق تسندها في ذلك مبادئ سياستها الخارجية التي تؤمن في جملتها بثوابت الجغرافيا وحقائق التاريخ ومتغيراته أيضاً . كانت الرؤية السلطانية السامية المتحلية بالسلام معارضة لاستخدام القوة العسكرية « كأسلوب صحيح « لعلاج الأزمة محذرة حينها من عواقب اللجوء إلى هذا الخيار ، ولعل الجميع يشهد الآن فصولاً لا زالت وستظل تتداعى لفترة لا يعلم أحد مداها ، لكن أخطرها سقوط الإدارة العربية والاستسلام المنظور لمحاولات الآخرين للنيل من ذاكرة العرب والمسلمين على حد سواء.

هذه المواقف هي التي دفعت قادة مجلس التعاون الخليجي في أول قمة بعد أزمة أغسطس 1990 إلى تفويض السلطان قابوس في وضع مشروع « الاستراتيجية الأمنية لدول المنطقة « وعملت على ذلك بإخلاص وحسن نوايا كعادتها ، فلم يمض عام على هذا التفويض حتى كانت جاهزة بمشروعها المتكامل وقامت من جانبها بما يفرضه عليها واجبها على حد تعبير السلطان قابوس.

واستطاعت السياسة الخارجية العمانية مواجهة تقلبات المحيط الإقليمي والدولي المتسارعة هنا وهناك وأجادت التعامل معها بثقة وفاعلية ، كما شكلت اعتبارات المصالح الاقتصادية – إلى جانب الاعتبارات الأخرى – دوراً متزايد الأهمية في تطبيق هذه المبادئ وإرساء علاقات السلطنة مع الدول الخليجية والعربية والإسلامية وكافة دول العالم.

لقد ظل موقف السلطنة عبر نهج السلام لجلالة السلطان مميزاً ولم تنظر في اتخاذ قرارها من زاوية العواطف بل من زاوية أن المتقاتلين مسلمان يجب الصلح بينهما ، فإن عمان لعبت دور القوة الساعية إلى المصالحة ، الأمر الذي حظي بتقدير عميق على كلتا ضفتي الخليج ومن خلال وساطة السلطان تقارب الطرفان المتحاربان من بعضهما البعض، وكان النهج السياسي العماني للسلطان حتى في ساعة المحنة أقل تعرضاً للتذبذب لأنه صيغ على أساس التقويم الواعي والواقعي للزعماء السياسيين وأفعالهم في المستقبل المنظور لا على أساس من الهوى والغرض .

إن العلاقة بين السلطنة ومنظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ) بدأت في تقوية أواصرها منذ تولى جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم مقاليد الحكم ، واستمرت في نمو وتطور ، وها هو مدير عام المنظمة السابق « كيوتشيرو ما تسورا « يقول : « يعود الفضل في التعاون بين اليونسكو وعمان إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد الذي أرسى دعائم هذه الأواصر بمشاركاته وتواصله الدائم ومبادراته الخيرة ، وجائزة السلطان قابوس لصون البيئة هي إحدى المبادرات المتعددة التي أنشئت من خلال الهبة السخية التي تبرع بها جلالته إلى اليونسكو ، و يركز مدير المنظمة على شخص جلالة السلطان كونه يدرك ما لدى هذا الحاكم من أفكار بناءة لدور اليونسكو العالمي ، ولتقديره لهذا الدور.

ولقد قدم جلالة السلطان جائزة عالمية لصون البيئة بواسطة اليونسكو لثقته بها ، وبحسن تقدير لأعمالها التي تستحق التشجيع ولدورها العلمي والحيادي.

وقد استحقت سلطنة عمان بعض جوائز اليونسكو بحيث قدمت هذه الأخيرة جائزة العلوم والثقافة والاتصال لمجمع السلطان للأنشطة الرياضية في «بوشر» عام 1994م نظراً للجهود التي قدمها في مجال الرياضة، وجائزة أخرى لمركز عمان للموسيقى التقليدية.

عضو مجلس إدارة جمعية الكتاب والأدباء فرع محافظة ظفار