دول الخليج تخفّض الإنفاق غير الضروري وتعتمد إصلاحات متزنة

مؤشر الثلاثاء ٢٩/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٢٤ م

مسقط -
أصدرت شركة «الخبير المالية»، المتخصصة في إدارة الأصول والخدمات الاستثمارية والتي تتخذ من مدينة جدة مقراً لها، نسخة العام 2016 من التقرير الخاص بها الذي يتضمن مراجعةً لميزانيات الحكومات الخليجية. وتقدّم «الخبير المالية» في تقريرها تحليلاً معمّقاً عن أحدث التطورات التي طرأت على ميزانيات الحكومات بالمنطقة، والتدابير الإصلاحية المعلن عنها مؤخراً والآثار الواسعة طويلة المدى الناتجة عن الإرادة السياسية الرامية إلى تحسين الكفاءات والحد من الهدر في الإنفاق وتحقيق الانضباط المالي.

تستجمع قدراتها

وأشار التقرير إلى أن الميزانيات الأخيرة التي اعتمدتها السعودية وقطر وعُمان والإمارات تشهد للمرة الأولى منذ عقود خفضاً في الإنفاق وإصلاحات في برامج الإعانات والدعم وخططاً لتنويع قاعدة الإيرادات، ما يشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تستجمع قدراتها للتكيّف مع التراجع الذي ساد الأسواق النفطية في الآونة الأخيرة. وإلى جانب ذلك، من المقرر أن تصدر كل من الكويت والبحرين ميزانيتيهما أيضاً في منتصف العام 2016 والمتوقع أن تشملا تدابير مشابهة.

يعزّز من كفاءة اقتصاداتها

وتتوقع الخبير المالية أن يؤدي اتجاه حكومات المنطقة إلى إعادة النظر في أولويات ميزانياتها والنهج الحذر إلى انخفاض مستويات الإنفاق العام في منطقة الخليج، وهو ما يعكس تدابير الإنفاق الحازمة في ظل اتخاذ حكومات المنطقة إجراءات غير مسبوقة لمواجهة تراجع أسعار النفط منذ يونيو 2014.

ويرى التقرير أن حرص دول مجلس التعاون على خفض مستويات الإنفاق في ميزانياتها سينعكس عليها بشكل إيجابي ويعزّز من كفاءة اقتصاداتها في ظل استمرار تراجع أسعار النفط. وقد أظهرت الميزانيات الأخيرة التي أعلنت عنها حكومات دول الخليج انخفاضاً بالفعل في مستويات الإنفاق العام، حيث خفّضت المملكة العربية السعودية الإنفاق في ميزانيتها لسنة 2016 بحوالي 14%مقارنةً بالإنفاق الفعلي في السنة السابقة. كذلك، أعلنت كل من دولة قطر والسلطنة عن خفض إنفاقهما لهذه السنة.

دعم القطاعات الأساسية

ويذكر التقرير أنه على الرغم من الخفض في الإنفاق الكلي، فقد واصلت معظم دول الخليج تركيزها على دعم القطاعات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، ما يبرز مدى الجهود التي تبذلها حكومات هذه الدول لتوجيه أولويات الإنفاق تجاه المجالات الضرورية، والتي يُنظر إليها على أنها رافدا أساسيا في تطوير الاقتصاد وتنويعه على المدى الطويل. ومع أن المملكة العربية السعودية قد خصّصت الحصة الكبرى من الإنفاق الكلي على مجالات الدفاع والأمن، فإنها خصّصت أيضاً حوالي 35%للإنفاق على قطاعي التعليم والرعاية الصحية. وإلى جانب ذلك، اعتمدت دولة الإمارات أيضاً ميزانية اتحادية أصغر بقليل لسنة 2016، إلا أنها خصّصت أكثر من نصف الإنفاق المتوقّع لقطاعات منها التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاجتماعية والخدمات العامة. وبينما أعلنت حكومتا قطر والسلطنة عن ميزانيات معتدلة لسنة 2016، ركزت كلتا الدولتين على خفض مستويات الإنفاق، إلا أنهما أعطتا الأولوية للإنفاق الاجتماعي.

تقليص برامج الإعانات

وتتوقع الخبير المالية في تقريرها أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2016 نهجها المتمثّل في تقليص برامج الإعانات والدعم التي تقدمها، وذلك في ظل مساعي حكوماتها الرامية إلى التخفيف من الضغط غير المبرر على ميزانياتها. وكانت دول الخليج تتردد في تغيير سياسات الدعم في السابق، ولكن استمرار تراجع أسعار النفط دفعها لاتخاذ تدابير إصلاحية من المتوقع أن تعّزز من وضع ميزانياتها وتسهم في تنويع مصادر الدخل العام.

وفيما يخص توسيع قاعدة الإيرادات، استعرض التقرير خطط دول مجلس التعاون الخليجي لرفع الإيرادات الغير نفطية عن طريق خصخصة الشركات الحكومية. وتضمنت ميزانية المملكة خطتها بشأن تقليص حصتها في بضع شركات حكومية خلال الخمس سنوات المقبلة. كما أكدت السلطنة أيضاً أنها سوف تطرح أسهم ثلاث شركات للاكتتاب العام في البورصة العُمانية هذا العام. كذلك أعلنت دولة قطر أيضاً عن خطط لخصخصة بضع شركات تملكها الدولة، وتتوقع «الخبير المالية» أن تحذو دول أخرى في المنطقة حذوها حيث إن الخصخصة تساعد على زيادة الإيرادات وتدعم نمو القطاع الخاص.

زيادة الضرائب

فضلاً عن ذلك، تتزايد احتمالات زيادة الضرائب في منطقة الخليج، حيث يمكن أن تبدأ دول المنطقة باتخاذ تدابير للتعويض عن تراجع الإيرادات النفطية. وتبعاً لتقرير «الخبير المالية»، ستشكل ضريبة القيمة المضافة، التي جرت مناقشتها كثيراً في جميع دول الخليج، إصلاحاً اقتصادياً مهماً في المنطقة بما يؤدي إلى زيادة الإيرادات والتخفيف من أعباء الحكومات المعنية، هذا بخلاف المؤشرات الأخرى التي تلمّح إلى استحداث ضريبة الدخل والشركات أو زيادتها في بعض الدول الخليجية.

وفيما يخص التوجه الحكومي القوي إلى العمل على الحد من الهدر في الإنفاق وتدعيم الانضباط المالي وتعزيز الشفافية، سلّط التقرير الضوء على عدد من الخطوات التي من المتوقع اتخاذها. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال لا الحصر، عن أنها سوف تقوم بإنشاء وحدة مالية عامة للمراقبة والتأكّد من تفادي أي تجاوز لمخصصات الميزانية هذا العام. كما أعلنت كل من قطر والكويت أيضاً التزامهما بالمحافظة على الإنفاق لسنة 2016 ضمن المستويات المقررة. وبناءً عليه، وفي ضوء تصريح الحكومات الخليجية بأنها سوف تلتزم بتشديد الرقابة على نفقاتها في العام 2016، ومن المتوقع بأن تكون الاحتمالات محدودة جداً لحدوث تجاوزات كبيرة لمخصصات الميزانيات هذه السنة، وذلك على عكس الاتجاه الذي كان سائداً في الماضي.
إضافةً إلى ذلك، استعرض التقرير احتمالات النمو في القطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي والذي توقع أن تبدأ عليه بوادر الظهور بالضعف في ظل استمرار تراجع أسعار النفط.

بوتيرة أسرع

وقد ورد في التقرير على لسان الخبراء بشأن القطاع غير النفطي أنه «في الوقت الحاضر، يستمر النمو في القطاع غير النفطي بوتيرة أسرع من النمو في القطاع الهيدروكربوني في المنطقة، مع قطف دول مجلس التعاون لثمار جهود التنويع التي بذلتها في الماضي. ولكننا نعتقد أن القطاع غير الهيدروكربوني لا يمكن أن يحافظ على قدرته الكبيرة على الصمود لفترة طويلة من الزمن في مواجهة أسعار النفط المنخفضة، وخاصةً إذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتصادات الخليجية تعتمد بدرجة كبيرة على الإنفاق الحكومي. وقد بدأت تظهر على القطاع الغير نفطي بوادر ضعف، انعكست بشكل خاص في آخر أرقام مؤشرات مديري المشتريات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والتي اقتربت من أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات».

وقد أوضحت الخبير المالية في تقريرها أن أداء الشركات من المتوقع أن يتأثر في جميع دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة المقبلة بتداعيات خفض الإنفاق وتقليص الإعانات والدعم ورفع الضرائب، بما سينعكس على الأرباح، ويمكن أن يؤدي إلى تأثير مضاعف على الاقتصاد وتأثير مباشر أو غير مباشر على الاستهلاك.