لن نتحدث عن 23 يوليو

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢١/يوليو/٢٠١٩ ٢٠:٥٦ م
لن نتحدث عن 23 يوليو

بقلم - علي المطاعني

لن نتحدث عن النهضة المباركة التي شملت كل ربوع البلاد شبرا شبرا، ولن نتكلم عن التنمية الشاملة في بلد تحدياته الديموغرافية والطبيعية كبيرة ومتشعبة، فكل هذه وتلك شواهد لا تخطئها عين ولا يجهلها عاقل، بل التنمية في السلطنة أكبر من أن تكتب في عجالة، بل من الإجحاف في حقها أن تختزل في كلمات هذا المقال.

فمهما كانت ملكة الكتابة فذة وجزلة لن تستطيع أن تختزل التحول الذي حدث في هذا الوطن، ومهما كانت الكلمات مختارة بدقة وعناية لن تستطيع وصف هذا الوطن ما حدث بعد 23 يوليو 1970 الذي نحتفل بالوقوف على قمة جديدة من قممه السامقة، ثم إننا لانرغب أن نعدد ما أنجر رغما عن إنه فخر لايدانى بإعتباره معروف ومعلوم وشاهق امامنا جميعا ونلمس كل لحظة ثماره.

فنحن عندما نلتفت أو عندما نلقي نظرة عجلى غير أنها عميقة الأغوار على كل المنجز فإنما نفعل ذلك لتعضيد القادم بزخم من الإرادة أشمل وليغدو القادم أفضل من الماضي والحاضر، وبإعتبار أن ما أنجز هو فخر شارك فيه الجميع بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - الذي قاد البلاد من نقطة الصفر الى ما وصلت اليه السلطنة اليوم من مكانة بين الدول.

و انما نتحدث عن حكمة وحصافة أمست حديث كل سكان كوكب الأرض في تجسيد الوحدة الوطنية وربط أجزاء البلاد واسعة الأرجاء تحت مظلة الوطن الواحد بعد الفرقة والشتات والحروب الاهلية الطاحنة التي اكتوى بها ابناء الوطن ردحا من الزمن وتفرقوا في البلدان بحثا عن الامان والعيش.

ونتحدث عن مد يد السلام إلى شعوب المعمورة لتكون السلطنة نموذجا في العالم في حب السلام والإستقرار تهرع لها الدول والحكومات للإستنارة برايها في قضايا الحرب والسلام، وجسدت مواقف في هذا الشأن دخلت دوليا لخاصرة العلوم السياسية والإستراتيجية من أوسع الأبواب.

وعندما نتحدث عن السلطنة تحت أصداء 23 يوليو فإننا نشير إلى الوئام والإنسجام بين أطياف المجتمع في منطقة تكتسحها أعاصير التشظي وتعصف بها أنواء الشقاق نتيجة لعنفوان فيروسات المذهبية والعشائرية والقبلية، وكيف أن السلطنة فطنت لهذا الوباء مبكرا فوئدته في مهده وقبل أن يكبر ويستطيل ويعلن عن وجوده، وكيف أن السلطنة سحقت كل أنماط العنصرية اللونية والعقائدية والفكرية البغيضة والمنتنة بقوة القانون وعدالة القضاء.

و نتحدث عن تجربة وطنية خالصة جسدت المشاركة السياسية في صنع القرار بتدرج لا يتخطى وعي المجتمع ويتواكب مع المستجدات والمتغيرات في العالم ويأخذ بالأولويات في كافة مؤسسات المجتمع المدني متجاوزا غيره من المجتمعات رغم تشابه الظروف.

ويؤمن بأن التدرج هو ما يبني الأوطان والتسرع والقفز على المراحل يعني حرقها بدون هوادة، ومن ثم الدخول في متاهات نحن في غنى عنها تكتوي بها الدول اليوم ولا تعرف يمينها من شمالها في عملية البناء.

ونتحدث عن سمات حضارية خاصة أضحى بموجبها المواطن العُماني سفيرا لبلاده أينما حل وإرتحل يعامل بإحترام وتفتح له الأبواب الموصدة أمنيا ويحاط بهالة من الوقار والإحترام ونموذجا في الحضارية في التعامل وقيمة السمو يشار اليها بالبنان.
ونتحدث عن المرأة العُمانية وقد خرجت من عتمة الظلام إلى شموس العلم‏ تشارك أخيها الرجل في بناء الوطن وفي كل ميادين الحياة وتساهم في صنع القرار السياسي من خلال مشاركتها مترشحة أو منتخبة في المجالس والجمعيات وغيرها من محاضن المشاركة السياسية، وذلك من بعد أن نالت حقوقها كاملة وكما يحب ربنا ويرضى.
ونتحدث نتحدث عن تجربة وطن يقف في المقدمة في مجال المحافظة على الموارد البيئية بل أمسى ذلك سلوكا حضاريا تلقائيا لا يحتاج إلى تلقين أو إعادة تذكير.
ونتحدث عن وطن لم يغفل الأصالة في خضم المعاصرة، ولم يتجاهل التاريخ بزعم التطور، بل أوجد لها مؤسسات تعني بها بإعتبارها منطلقات للتطور والرقي.
فاذا كانت انجازات النهضة المباركة ماثلة الاعيان في ربوع هذا الوطن في كل ولاياته وشامخة في كل شبر تحكي قصة شعبا هب خلف قائده يبني وطنا موغلا في القدم من نقطة الصفر ونفض عن نفسه غبار الجهل والفقر والتخلف وازاح دياجير الظلام، فان ما تحقق في الاصعدة الاخرئ لا يقل اهمية في بناء الوطن والانسان.
بل اذا كانت الانجازات لا تقاس بعدد السنين والايام ولكن بما حقق فيها من تنمية وبناء، فان عمر النهضة المباركة ايضا تعد مرحلة قصيرة في حياة الامم والشعوب، ولكنها كانت العمر كله في حياة الشعب العماني اذ تسارعت الخطى في البناء والتعمير وتنمية الانسان كسرعة البرق الى ان اضحى هذا الوطن المعطاء كما هو عليه اليوم يرفل بالرخاء والتقدم.

ومن هذا المنطلق واذا كانت في حياة الامم والشعوب اياما لها تاريخ، فان يوم الثالث والعشرين من يوليو المجيد في هذا الوطن يوما سيكتبه التاريخ والمستقبل ايضا، اذ يشكل علامة فارقة في التاريخ العماني، ونقطة تحول في مسيرة هذا الشعب الى المستقبل المشرق.
نأمل أن نوفي هذا الوطن حقه وأن نعمل أكثر مما نطلب، وان ننكر الذات امام المصلحة العامة ونذكي في الاجيال روح الواجبات والاستحقاقات الوطنية وصون المكتسبات المتحققة في طول البلاد وعرضها فهي الزاد للمستقبل، فتحية لكل من ساهم ويساهم في رفعة وطنه بصمت وإيمان، وطوبى لكل من يحمل معينات البناء والتشييد، ويزيح من أمامه معاول الهدم والتدمير، وما بعد ذلك فإن اليقين كامل بأننا سنبقى أوفياء لقائد النهضة المباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - الذي أوفى ووفى لهذا الوطن وابنائه.