إيريك بيرجلوف
لقد قال جاك نيكلسون "ماذا لو كان هذا أفضل شيء ممكن؟ " وهو يدخل غرفة الإنتظار في عيادة طبيبه النفسي في الفيلم الذي يحمل نفس الإسم . لقد كان المشاركون في الإجتماع الأخير لوزراء مالية مجموعة العشرين في شنغهاي يسألون السؤال نفسه وليس فقط فيما يتعلق بالتوقعات متوسطة المدى للنمو العالمي الضعيف .إن الكثيرين يتساءلون الآن ما إذا كان النمو الحالي للصين هو أفضل شيء ممكن لفترة طويلة قادمة.
إن الحكم على صحة مثل هذه المخاوف يتطلب فهم ما هو الذي يحرك التباطؤ الإقتصادي الصيني. إن البعض يقدم تفسيرا صريحا وبسيطا فلقد أصبحت الصين مع غيرها من الإقتصادات الصاعدة الرئيسية عالقة في " فخ الدخل المتوسط" الرهيب بحيث لم تستطع إن تتقدم إلى مصاف الإقتصادات المتقدمة ولكن هذا يفترض أن هناك قوة أو توجه خارجي تعمل على بقاء البلاد "عالقة" على مستوى دخل محدد وهو رأي أثبتت الدراسات الأكاديمية بطلانه.
في واقع الأمر عادة ما تعاني البلدان من أجل الوصول لوضعية الدخل المرتفع فطبقا للبنك الدولي تمكنت 13 دولة فقط من بين 101 دولة تم تصنيفها كمتوسطة الدخل سنة 1960 من الوصول لوضعية الدخل المرتفع سنة 2008 كما إن بعض الدول متوسطة الدخل وبعد نمو واعد أمضت عقودا من الزمن وهي "عالقة" في مستوى معين لمتوسط دخل الفرد فالإرجنتين على سبيل المثال واكبت نمو متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة الإمريكية من سنة 1870 إلى سنة 1940 ومنذ ذلك الحين إتسعت الفجوة بشكل مطرد وبهذه الطريقة حتى البلدان التي تصل إلى وضعية الدخل المرتفع تتراجع أحيانا إلى مستويات الدخل المتوسط.
لكن لا توجد ضرورة تاريخية تقضي بإن تكون البلدان عالقة ضمن مستويات معينة من الدخل فعلى العكس من ذلك تذكر الدراسات أن من المرجح كذلك بإن الإقتصادات سريعة النمو وقليلة الدخل يمكن أن تصبح إقتصادات سريعة النمو ومتوسطة الدخل وفي نهاية المطاف تتخرج من أجل الإنضمام لوضعية الدخل المرتفع ولو أصبح الإقتصاد عالقا فإن هذا يعود لفشله بالتعديل كأساس لتغيرات النمو وفي واقع الأمر فإن نقص القدرة على التحول الذاتي عادة ما يكون واضحا بالنسبة لمستويات الدخل المحدود كذلك.
إذن ما الذي ينطوي عليه التعديل المطلوب بالضبط ؟ بينما تختلف التفاصيل بين البلدان فإن نظرية النمو الشمبتريه الجديدة التي تركز على الإبتكار والتي إقترحها الإقتصاديان فيليب أجيون وبيتر هوويت تقدم لنا بعض الرؤى المهمة.
لقد نظر أجيون وهوويت للإبتكار على أنه أي تغيير يقود لإدخال منتجات أو عمليات جديدة في السوق التي تعمل به الشركة .إن البلدان التي ليست في طليعة العالم التقني ستكون بوضع أفضل لو قامت بتقليد التقنيات الموجودة وتطويعها لتلائم الظروف المحلية ولكن مع مرور الوقت يتوجب على مثل هذه البلدان تحسين قدرتها على الإبتكار . لقد أظهرت الدراسات كذلك وجود رابط إيجابي بين الإبتكار والحراك الإجتماعي وحتى بين الإبتكار وعدم المساواة في الدخل.
إن من المهم بالنسبة للمنظور القائم على الإبتكار هو المفهوم بإن النمو الإقتصادي يتطلب نقل التقنية ووجود بيئة تستطيع فيها الشركات الجديدة أن تتشكل وتنمو وتخرج ( وبذلك يتم إعادة تخصيص عوامل الإنتاج لشركات أكثر نجاحا).إن من الواضح أن نوعية الإدارة تلعب دورا رئيسيا ولكن المؤسسات ورأس المال البشري هي عوامل مهمة كذلك . إن الفساد وقيود الائتمان وعدم الحصول على تعليم عالي الجودة هي عوامل تجعل التحول الإقتصادي أكثر صعوبة.
لكن تشجيع الإبتكار ليس حلا سحريا فبينما توفير العوائد للمستثمرين يمكن أن يساعد في تحفيز المزيد من الإبتكار فإنه يسمح لإصحاب الأعمال كذلك بالسيطرة على حصة كبيرة من عملية التحول فعلى سبيل المثال ربما كان بيل جيتس جيدا بالنسبة للتحول الإقتصادي ولكن ملياردير الإتصالات المكسيكي كارلوس سليم لم يكن كذلك . إن تشجيع نوع واحد من المبتكرين يمكن أن يؤدي بسهولة لظهور نوع آخر.
ماذا يعني كل هذا للصين ؟ بينما تحاول الصين خلق الظروف الملائمة لإبتكار حقيقي أكبر ، يتوجب عليها التعامل مع التحديات قصيرة المدى التي لا تعد ولا تحصى فهي عالقة في دوامة انكماشية حيث تعزز عوامل إنخفاض الإسعار وزيادة القلق بشأن الآفاق الإقتصادية بعضها البعض كما إن الإقراض الزائد عن الحد لقطاع الشركات وخاصة في التصنيع أدى إلى طاقة فائضة ضخمة وزيادة كبيرة في الديون المعدومة مما يحد من النمو.
إن ما يضاعف من التحدي هو أن الإقتصاد الصيني أكثر أهمية على الصعيد العالمي وأكثر ترابطا من أي وقت مضى مما يعني أن أي إجراء تتخذه يمكن أن يكون له تبعات بعيدة ونظرا لإن السياسات التي تمت تجربتها وإختبارها من غير المرجح أن تعمل في هذا السياق الجديد فلقد إضطرت الحكومة للإرتجال ولكن هذه المقاربة كما ظهر ذلك جليا في الأسواق القلقة يمكن أن تؤدي إلى إرتكاب أخطاء فيما يتعلق بالسياسات .
لكن مهما يكن من أمر فإن هناك أسباب جيدة تدعونا للإعتقاد أن بإمكان الصين أن تنجح وذلك نظرا لأن التاريخ الإقتصادي للبلاد يوحي بقدرة مثيرة للإعجاب على التحول. بالطبع فلقد تقدم الإقتصاد الصيني كثيرا منذ أن أطلق دينغ شياو بينغ سياسة الإصلاح والإنفتاح سنة 1978 ولكن حتى في السنوات الأخيرة فإن المحتوى المهاري في الإنتاج الصيني قد تحسن بشكل كبير وتمت بنجاح عملية تحويل الموارد من الزراعة إلى قطاع الخدمات عوضا عن قطاع التصنيع حيث ما تزال الشركات الضخمة المملوكة للدولة تهمين على العديد من الصناعات.
مدير معهد الشؤون الدولية في كلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية.