الاقتصاد الرقمي الخليجي.. الأفكار بديلاً للنفط والغاز

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٦/يوليو/٢٠١٩ ٢٢:٤٠ م
الاقتصاد الرقمي الخليجي.. الأفكار بديلاً للنفط والغاز

مع توالي إعلان شركات الاتصالات الخليجية عن تشغيل شبكات الجيل الخامس 5G في أغلب دول مجلس التعاون، أصبحنا أمام حقبة جديدة من التطور الاقتصادي في المنطقة ستتضاءل بموجبها مساهمات قطاعات وأنشطة اقتصادية تقليدية لطالما كانت المساهم الأكبر في الناتج الخليجي الإجمالي، وفي المقابل سوف تتعاظم أهمية قطاعات أخرى أبرزها الاقتصاد الرقمي، كما سوف يتم استحداث أنشطة ومجالات لم تكن موجودة، وذلك وفقاً للتطورات المتوقعة ضمن الثورة الصناعية الرابعة.

وللتبسيط، فإن أبرز الفوائد الرئيسية لشبكات الجيل الخامس تتلخص في أنها تمكن المستخدمين سواء الأفراد أو الشركات من نقل كميات هائلة من البيانات بشكل سريع، وهو ما يسمح للتقنيات الحديثة مثل السيارات ذاتية القيادة، التي تتطلب أكثر من 100 جيجابيت من البيانات في الثانية الواحدة لتشغيلها، أن تصبح واقعاً ملموساً. كما أن البحث والتطوير في تقنيات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً واسعة أمام رواد الأعمال المهتمين بالاقتصاد الرقمي، كما أن شبكات الجيل الخامس سوف تتيح إمكانيات أكبر للتقنيات التفاعلية مثل الواقع الافتراضي الذي يتطلب نطاقاً عريضاً عالي المستوى لإرسال واستقبال أحجام ضخمة من البيانات في وقت استجابة محدود للغاية، كما سيساعد ذلك على تمكين نمو تطبيقات إنترنت الأشياء، وبث مقاطع الفيديو عالية الوضوح، وبالإضافة إلى انطلاق الجيل الجديد من ألعاب الفيديو. ومع بدء تشغيل هذه الشبكات تجارياً، سيكون في متناول مستخدمي الهواتف الذكية الاستمتاع بقفزة نوعية في سرعة تحميل الإنترنت وتحسين أداء تطبيقات الأجهزة المتحركة على مختلف المستويات من حيث تحميل محتوى الخرائط والبرمجيات والألعاب الإلكترونية وتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز وغيرها من التطبيقات التي أصبحت تسهّل الحياة اليومية للأفراد وتدعم أداء المؤسسات. وبالنسبة لشركات التكنولوجيا، سيكون بإمكانها تفعيل تقنيات وتطبيقات متطورة مثل المركبات ذاتية القيادة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الأحدث، ومن شأن كل ذلك خلق فرص استثمارية جديدة في دول الخليج تقدر قيمتها بمليات الدولارات.

ولفهم الأمر بصورة أفضل، فإن تأثير شبكات الجيل الخامس لا يقتصر على كونها أسرع بعشرات المرات من الشبكات اللاسلكية الحالية، بل يتخطى ذلك بكثير، إذ تشير تقديرات الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول، إلى أنها ستضيف 565 مليار دولار أمريكي إلى إجمالي الناتج المحلي العالمي بحلول عام 2034، وهو ما يمثل إضافة نوعية تعادل الناتج الإجمالي السنوي لمملكة السويد. وقد بادر عدد من الدول الخليجية إلى العمل على تهيئة البنيتين التحتية والتشريعية اللازمة لاستقبال هذا التطور التكنولوجي الهائل، رغبةً في جذب حصة من الاستثمارات العالمية في هذا القطاع الصاعد، والأمر الإيجابي الآخر أن أغلب الخطط الاستراتيجية لدول مجلس التعاون وهي : «رؤية عُمان 2040» و»رؤية السعودية 2030» و»رؤية الإمارات 2021» و»رؤية البحرين الاقتصادية 2030» و»رؤية قطر الوطنية 2030» و»رؤية الكويت 2035» أفردت مساحات واسعة للاقتصاد الرقمي باعتباره محفزاً للنمو الاقتصادي المستدام في المستقبل، وهذا التوجه نابع من قناعة راسخة لدى صناع القرار وواضعي السياسات أن الأفكار ستكون بديلاً عن النفط والغاز في تعزيز النمو الاقتصادي مستقبلاً، اعتماداً على التقنيات الرقمية المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع الافتراضي والواقع المعزز، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والتي يتوقع لها أن تسهم بتغيير طريقتنا في العيش وإنجاز الأعمال.
وبالتوازي تسير خطط التحول الرقمي في دول الخليج بخطوات متسارعة مع اتساع استخدام التطبيقات الذكية في تقديم الخدمات الحكومية للمتعاملين، وصولاً إلى اعتماد مفهوم المدن الذكية التي أبصر بعضها النور بالفعل، كما أن هناك قناعة راسخة لدى الحكومات الخليجية أن تسليح الإنسان بالمهارات اللازمة لمرحلة ما بعد النفط وضرورة تطوير قدراته ومهاراته هو الاستثمار الأمثل للمستقبل، تمهيداً لإطلاق العنان للإمكانات الهائلة التي يتمتع بها الكثير من شباب المنطقة المتعلمين تعليماً جيداً، وذلك من خلال تبني الاقتصاد الرقمي الجديد.
ولا شك أنه من الضروري تطبيق إصلاحات أوسع نطاقاً وأكثر جرأة لتحقيق هذا الهدف، إلى جانب الاستثمارات الحيوية في البنية الأساسية الرقمية. وسيتطلب ذلك إعادة توجيه أنظمة التعليم نحو المزيد من الاهتمام بعلوم البرمجة والتكنولوجيا، وإنشاء أنظمة حديثة للاتصالات والمدفوعات، وتهيئة اقتصاد يقوده القطاع الخاص وتحكمه لوائح تنظيمية تشجع على الابتكار بصورة أكبر. ووفقاً لأحدث تقارير المرصد الاقتصادي الصادرة عن «البنك الدولي»، فإن الأسس قائمة بالفعل للتحول الكامل نحو الاقتصاد الرقمي في المنطقة، فدول الخليج لديها أحد أعلى معدلات انتشار الهواتف الذكية في العالم، ولكنها تُستخدم في الغالب للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من بدء مشاريع جديدة. كما يشيرالتقرير إلى مجموعة من «البوادر على التعافي» فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي الجديد، من بينها تطبيق كريم للنقل الذي نما من شركة مبتدئة إلى شركة قيمتها مليار دولار وخلق الآلاف من فرص العمل في المنطقة وخارجها. كما تربط المنصات الرقمية الجديدة بين الباحثين عن العمل وأصحاب العمل، وتوفر التدريب المهني، واستضافة حاضنات للشركات الناشئة. يتمثل التحدي الآن في تهيئة الظروف لنمو هذه البوادر وتكاثرها. ولا شك أن بلدان المنطقة تمتلك كل ما تحتاج إليه للانتقال إلى آفاق المستقبل الرقمي الرحبة، مع ضرورة التأكد من اكتساب الشباب للمهارات اللازمة للاقتصاد الجديد، وإزالة العقبات التي تحول دون الابتكار، وهو ما سوف يساعد على ضمان عثور الملايين من شباب المنطقة على وظائف جيدة، ما سينعكس بدوره على ترسيخ النمو الاقتصادي المستدام لدول المنطقة.

رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب، ورئيس مجلس إدارة بنك صحار