الاقتصاد الرقمي الخليجي..الأفكار بديلاً للنفط والغاز

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٦/يوليو/٢٠١٩ ٢١:٣٧ م
الاقتصاد الرقمي الخليجي..الأفكار بديلاً للنفط والغاز

رغم الجهود المحمودة لتنويع الاقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي، وما يتزامن معها من عمل دؤوب للخروج من عباءة النفط، والحيلولة دون تأثير تقلباته المزمنة على أداء الاقتصاد الخليجي وحياة السكان، ما زالت البيانات الصادرة عن المؤسسات الدولية المعتبرة وعلى رأسها «البنك الدولي» تشير إلى أن الاقتصاد الخليجي مازال مرتبطاً بالنفط ارتباطاً لصيقاً.

ولا يمكن القول إن هذا الارتباط بالنفط شر مطلق، فمازال النفط، وسيظل لسنوات مقبلة، العمود الفقري لاقتصاد المنطقة، والمصدر الرئيس للموارد المالية اللازمة لكل خطط التنمية في دول الخليج والمتمحورة حول استحداث قطاعات اقتصادية جديدة تستغل الميزات النسبية لكل دولة من دول المنطقة، مع تركيز خاص على الاستثمار في رأس المال البشري باعتباره العملة الرابحة في اقتصاد المستقبل، والملاذ الآمن للاستدامة الاقتصادية.

ومع التسليم بأن ارتباط الاقتصادات الخليجية بالنفط ما زال وثيقاً، وبما يخالف -نسبياً- الآمال المعقودة على خطط التنويع الاقتصاد ، تظل تذبذبات أسعار الخام ما بين الصعود والهبوط هي صاحبة الكلمة العليا في تسجيل معدلات النمو أو التباطؤ والانكماش في أغلب دول المنطقة، وهو ما لاحظه تقرير المرصد الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي (العدد الرابع – ربيع 2019) الصادر حديثاً عن «البنك الدولي» إذ يرصد أن الاقتصادات الخليجية شهدت انتعاشاً في عام بالتزامن مع صعود النفط، وهو ما عزز الاعتقاد بأن هذه الاقتصادات مرتبطة بالنفط ارتباطاً لا ينفصم، إذ أدت الزيادة المطردة في أسعار الخام طوال العام وحتى أكتوبر 2018 إلى تحفيز معدل النمو من متوسط قدره 0.2 % في 2017 إلى نحو 1.9 % في 2018، وبفضل هذا التحسن في الأسعار خرجت ثلاثة من اقتصادات المنطقة هي سلطنة عمان والكويت والمملكة العربية السعودية من دائرة التباطؤ الاقتصادي والانكماش لتسجل معدلات نمو إيجابية، وقد حدث ذلك على الرغم من تباطو النمو الاقتصادي العالمي وبداية نشوب النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهو ما أثر بدوره على حركة التجارة العالمية.
وترجح التوقعات أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد الخليجي في 2019 بشكل طفيف إلى 2.1 %، مقارنة بنحو 2 % العام الماضي، قبل أن تتسارع وتيرة النمو ليصل إلى 3.2 % في 2020، ويستقر عند 2.7 % في 2021، وكل ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمسار حركة أسعار النفط صعوداً وهبوطاً، والسؤال هنا كيف يمكن في المديين المتوسط والبعيد بناء أسس متينة للاستدامة الاقتصادية بعيداً عن تذبذبات النفط، وكيف يمكن توثيق أواصر العلاقة بين رأس المال البشري والنمو في دول مجلس التعاون الخليجي؟
ما من شك أن هناك إصلاحات اقتصادية جوهرية تجرى حالياً في دول الخليج من أجل تحسين بيئة الأعمال وتمكين رواد الأعمال وتوفير فرص استثمارية جديدة في قطاعات واعدة، إلا أن تحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة، يتطلب من دول الخليج الاستمرار في مساندة تدابير ضبط أوضاع المالية العامة، وتنويع النشاط الاقتصادي، والنهوض بإيجاد وتوفير الوظائف بقيادة القطاع الخاص، لاسيما للنساء والشباب، والأهم من ذلك تسريع وتيرة الاستثمار في رأس المال البشري عن طريق تحفيز الاستراتيجيات الحكومية القائمة حالياً لتحسين النواتج الصحية والتعليمية، واستحداث استراتيجيات جديدة لتسليح الأجيال الشابة بكل ما يلزمهم من مهارات وعلوم ومعارف لقيادة مرحلة التحول إلى الاقتصاد الرقمي والتعامل مع اقتصاد المستقبل القائم – في جزء كبير منه - على الذكاء الاصطناعي والبيانات العملاقة والبرمجيات المبتكرة.
وليس من قبيل المصادفة أن الدول الأكثر استثماراً في أبنائها وأكثر إنفاقاً على التعليم والتنمية البشرية وتمكين الشباب هي أيضاً، الأكثر تقدماً وقوة وتأثيراً، ورغم أن نماذج التنمية في الدول الغنية بالموارد الطبيعية، غالباً ما تشهد خلطاً بين النمو الاقتصادي الذي يستهدف زيادة الناتج الإجمالي من السلع والخدمات وغيرها، وبين نموذج التنمية الاقتصادية بمفهومها الواسع الذي يشمل، إضافة إلى الاهتمام بمعدل النمو الرقمي أو الكمي، أبعاداً إنسانية واجتماعية وثقافية، أي يهتم بالاستثمار في البشر، توازياً مع اهتمامه بتنمية الموارد المالية وتحسين إدارتها، واستثمار عوائدها بالشكل الأمثل.
ولذا يجب ألا تركز النماذج التنموية التي تتبناها دول الخليج على رفع معدلات النمو الاقتصادي فحسب، ولكن لابد أن تمتد أيضاً إلى التعليم والتأهيل والتدريب والاستثمار في العقول البشرية و التنمية المجتمعية، باعتبار أن تطوير الإنسان والاستثمار فيه، هو العملة العالمية الرائجة لاقتصادات المستقبل.
ولهذا الغرض يجب دراسة إمكانية استحداث صناديق للاستثمار في الإنسان يتم توفير التمويل اللازم لها عبر اقتطاع حصص من العوائد النفطية، على أن تكون مهمة هذه الصناديق إعداد وتدريب وتأهيل الشباب وتمكينهم من مواكبة التطورات الاقتصادية المتسارعة، وتسليحهم بأدوات المستقبل الاقتصادية وبناء قدراتهم وتوفير فرص عمل تمكنهم من استغلال مهاراتهم وتوجيهها بما يخدم الاحتياجات المستقبلية لأسواق العمل في بلدانهم، وبما يساهم في تطوير القطاعات الجديدة التي ستشكل اقتصاد المستقبل في المنطقة بعيداً عن النفط.

رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب، رئيس مجلس إدارة بنك صحار