ميناء استراتيجي في عُمان

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٥/يونيو/٢٠١٩ ١٣:٥١ م

كانتان مولر

كانت الدقم قديما ميناءً متواضعاً للصيد يطل على بحر العرب، وها هي اليوم تتحول إلى عاصمة اقتصادية. مشروع ضخم أطلقته سلطنة عمان. تهب الرياح وتدفع بالأمواج على شاطئ صحراوي تمتد في أفقه التلال. أما الأفق البحري للدقم، فلا يزال بريا على امتداد مئات الكيلومترات، إذ حرص السلطان قابوس طويلا على حماية عمان من أي مشروع قد يخل ببيئتها الطبيعية. لكن ذلك جعل محافظة الوسطى تبدو متخلفة مقارنة بمحافظات شمال البلاد وجنوبها التي تشهد نشاطا سياحيا واقتصاديا مهما. الدقم مدينة ساحلية صغيرة تطل مباشرة على بحر العرب، صارت السلطة المركزية منذ عقد تخطط لها. يقطن هذه المدينة 16 ألف ساكن (من بينهم أربعة آلاف عماني بحسب السلطات المحلية)، كانوا يعيشون أساسا من الصيد البحري التقليدي. ولم يشهد الميناء طوال فترة طويلة سوى نشاط قليل، غير كاف لإيجاد مواطن شغل. وتعود طموحات مسقط بشأن الدقم إلى اعتزام الحكومة العمانية التخفيض من اعتمادها على صناعة الغاز والنفط والتي تمثل 74% من مداخيل الدولة. وقد غزت الشاحنات والجرافات المكان منذ سبع سنوات لترسم الخطوط الأولى لمُجمّع عملاق يمتد على مساحة ألفي كيلومتر مربع. ويزمع انتهاء المرحلة الأولى من الأشغال سنة 2020

يتأمل المدير العام صالح حمود الحسني الأشغال من بعيد وهو في الطابق الأول لهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة. بُني مقر هذه الهيئة بمنطقة نائية، على الطريق السريعة الجديدة والفارغة، التي تصل بين الدقم ومسقط. ويفتخر المدير العام بتقديم “أكبر مشروع اقتصادي لعُمان، والأهم بالشرق الأوسط، وأحد أهم المشاريع على المستوى العالمي”. يعد المشروع ميناء متعدد الأغراض، وأكبر حوض جاف في المنطقة، ومطارا دوليا، ومعملا لتكرير 230 ألف برميل نفط خام يوميا، والعديد من المُجمّعات السكنية والسياحية الفاخرة. وقد استثمرت الحكومة العمانية إلى حد الآن 1,7 مليار دولار في المشروع لكنها لن تضيف على ذلك الكثير، بل ستكتفي بالبنية الأساسية، إذ تود عُمان جلب المستثمرين الأجانب. “موقع الدقم استراتيجي، إذ نحن هنا خارج مضيق هرمز وعلى ممر الطرق البحرية الدولية، وقريبون جدا من بلدان مثل الهند والباكستان وبنغلادش. كما أن الدقم تقع على الطريق المؤدية إلى شرق أفريقيا وهي على تواصل مع دول عربية أخرى. كل هذا يجعل موقع هذه المدينة فريدا.”

صحيح أن مشروع الدقم له ميزات تجذب جميع المصدّرين، إذ يمنح هذا الميناء مرسى في منتصف الطريق الفاصلة بين شبه القارة الهندية وسواحل شرق أفريقيا. كما يوفر على البواخر المرور عبر مضيق هرمز للوصول إلى بلدان الخليج، ما يتطلب وقتا أطول، علاوة على عدم استقرار هذا الممر، كما يؤكد ذلك التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى. فمؤخرا، شهدت المنطقة توترا إثر تخريب بعض السفن في عرض ميناء الفجيرة والهجوم على أنبوب نفط سعودي وقد جد ذلك على التوالي يومي 13 و14 أيار-مايو 2019
يقول صالح الحسني: “لن نكترث بانعدام الاستقرار بفضل ما ستدره علينا الأعمال التجارية في الدقم”. طبعا، استعدّت الصين للمشاركة في هذا المشروع. فاهتمام بكين بالدقم كما اهتمامها سابقا بمشروع “مدينة الحرير” في الكويت يأتي ضمن طموح الصين الواسع بإعادة تنشيط طرق الحرير القديمة، إذ ينخرط الميناء العماني تماما في هذا المشروع المدعو بـ“مبادرة الحزام والطريق”. من أجل ذلك تنوي القوة الآسيوية الأولى استثمار مبلغ 10,7 مليار دولار، واستأجرت لمدة 25 سنة أرضا تمسح 11 كيلومترا مربعا في المركز الاقتصادي للدقم الجديدة. وستقوم آنذاك شركة عمان فانفانغ والمتكونة من ست شركات صينية ببناء معامل سيارات وميثانول ومواد بناء وإنتاج طاقة شمسية، إلى جانب معمل لتكرير النفط الذي سيكون القلب النابض لاستثمارها. بهذا تطمح الصين يوما ما إلى تكرير النفط الذي تستورده من جميع بلدان مجلس تعاون دول الخليج مباشرة في الدقم. ويعلق صالح الحسني على هذا قائلا: “عُمان تمنحهم الاستقرار. لدينا علاقات جيدة مع الصين لذلك نمنحهم دور المتعهد”.
تستطيع الصين بفضل ميناء غوادر الذي كان ملكا عُمانيا حتى سنة 1959 والواقع في إقليم بلوشستان بباكستان قبالة السواحل العمانية، وبفضل مرساها الجديد في جيبوتي، أن تربط بين نقطتي مرور بعيدتين. وهكذا تصبح الدقم النقطة الأخيرة الرابطة بين القارة الآسيوية من جهة -عبر شبه الجزيرة العربية- والقرن الأفريقي من جهة أخرى. ويذكّر محمد زلفيكار رحمت وهو مختص في شؤون الشرق الأوسط وتحديدا في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط أن “الصين كانت عبر التاريخ تستعمل اليمن كمركز لنقل البضائع، لكن القرصنة قللت من ولوجها إلى خليج عدن. وسيتسنى لها في المستقبل اجتناب هذا الطريق بفضل ميناء الدقم وبذلك تأمين طرقها التجارية”. ويتكهن الباحث على المدى الطويل بحضور صيني في خط الفراغ العماني. “لا شك بأن السفن الصينية الكبيرة سترسو في الدقم بينما ستُرسل السفن الأصغر إلى مناطق أخرى من الشرق الأوسط وشرق أفريقيا”.
وقد صرّح سفير الجمهورية الشعبية الصينية بسلطنة عُمان لي لينغبينغ في -أبريل بأن “عُمان والصين أعلنتا السنة الفائتة إقامة شراكة في إطار”مبادرة الحزام والطريق». وقد انضمت عُمان رسميا لدائرة أصدقاء هذا المشروع. سلطنة عُمان والصين تتقاسمان موروثا تاريخيا طويلا. وتتمتع هذه البلاد بموقع جغرافي استراتيجي وبموانئ ممتازة مثل الدقم وصلالة وصحار، والتي لها مصلحة طبيعية في المشاركة في إعادة تنشيط طريق الحرير». هكذا قد تصبح هذه الموانئ الثلاثة مراحل تجارية للصين حتى تلج سوق شرق أفريقيا ومن ثمة قناة السويس فأوروبا. وقد بلغ حجم التبادلات التجارية بين البلدين في 2018 قرابة 22 مليار دولار، وهو ارتفاع بنسبة 40% مقارنة بسنة 2017. وتعود إحدى الأسباب الرئيسية لهذا النمو إلى الحصار المفروض على قطر التي باتت مضطرة لتحويل وجهة وارداتها من الموانئ الإماراتية نحو الموانئ العُمانية.
من المفروض أن يمكّن المشروع وفق الحكومة العمانية من بعث قرابة 300 ألف فرصة عمل خلال العشرين سنة المقبلة، وأن تساهم الدقم بانتهائه بنسبة 5 % من النشاط الاقتصادي الوطني.

صحفي متخصص بالبلدان المطلة على الخليج

نقلا عن موقع اوريان21