علي بن راشد المطاعني
من المتفق عليه أن هناك تأثيرات سلبية بالغة الخطورة ناتجة عن توجه المرضى للعلاج بالخارج وذلك على كافة الصُعد والمستويات ، ويأتي الإستنزاف الإقتصادي أو المالي في أعلى قائمة الخسائر ، وعلى الرغم من الجميع على قناعة الآن بأن السفر للعلاج بالخارج لايعني العودة سالما معافى بالضرورة ، العكس هو الذي يحدث في أغلب الحالات ، هؤلاء هم ضحايا العلاج بالخارج وهم ضحايا كلام الناس المعسول وهم ضحايا المثل القائل (أربط صبعك الكل ينعت لك دواء) فما أن يمرض أحد أو ينوم في المستشفيات حتى يتلقى سيلا من الهمسات وكلها تحظه للسفر للخارج ، يحدث هذا في الوقت الذي تبذل فيه المستشفيات الجهود في إجراء الفحوصات المعملية للوصول إلى سر الداء ، وقبل أن تكتمل هذه الفحوصات تمهيدا لبدء مرحلة العلاج ، أو أحيانا تكتمل الفحوصات ويبدأ المريض بالفعل في تناول علاجه ، وسط هذه المراحل يفاجأ المستشفى بالقرار الصاعقة الذي إتخذه المريض او اهله بطلب العلاج والسفر للخارج بعد أن أفلحت شياطين الإنس في إقناعه .
هنا تبدأ المعاناة الحقيقية للمريض ، ذلك إنه وفي الخارج يصرف له نفس العلاج ، فيسأل المريض نفسه وماجدوى السفر والغربة القسرية والصرف المالي الذي تكبده ، وتتجلى على الفور ملامح الحسرة والندم على وجه المريض بعد أن يصل لقناعة بأنه قد تعرض للخداع .
والنموذج الثاني هو أن المريض يتلقى تشخيصا خاطئا في الخارج ، وبالتالي يبدأ في تناول علاج خاطئ فتسوء حالته ، ويقرر أهله العودة به للبلاد بعد أن تم تبديد المال في لاشيء ، وعند العودة يبدأ المستشفى في السلطنة في معالجة الأخطاء التي تعرض لها أولا ، قبل البدء في رحلة العلاج من جديد ، وقد تفشل كل جهود معالجة الأخطاء الطبية والعلاجية التي تناولها أو تعرض إليها بالخارج ، فالمريض في هذه الحالة يكون قد دفع ثمنا باهظا نتيجة لهذه المغامرة غير محمودة العواقب .
وإذا حاولنا إجراء دراسة سريعة عن الخسائر الناجمة عن هذه المغامرات الخطيرة نجد أن هناك خسائر مباشرة على الإقتصاد الوطني خاصة من حيث فقدان عنصر أو عناصر إنتاجية ، إضافة لتكلفة غير مباشرة على الإقتصاد الوطني ناجمة من تحويل الأموال للخارج وفقدان الفرص الإقتصادية للقطاع الخاص في المجال الصحي ، وكذلك تكلفة اقتصادية غير مباشرة على الأسر و ما تتكبده من مصاريف للعلاج بالخارج .
أما التأثيرات الصحية فتنعكس على صحة المريض نفسه فالصدمة النفسية الناتجة عن العودة بخفي حنين ربما تقضي عليه وقبل أن يقضي عليه المرض لاقدر الله .
في حين أن التأثيرات الإجتماعية هي في الأساس نفسية محضة وناتجة عن فكرة خاطئة مؤداها عدم الإقتناع بالعلاج بالداخل وفي إطار زهو إجتماعي يشير إلى أن العلاج بالخارج هو عنوان للوجاهة وإبراز لعضلات المقدرة المالية رغم أن تكاليف العلاج قد تكون قرضا واجب السداد .
نأمل أن تتغير النظر السلبية التي تسيطر على المجتمع بشأن العلاج بالداخل الذي أولت الحكومة الجانب الصحي أهمية قصوى حتى غدت مستشفياتنا ومراكزنا الصحية بمستوى يتفوق على الكثير من نظيراتها في دول العالم ، كل ماهو مطلوب هو الثقة بكوادرنا الطبية وبمستشفياتنا.