مسقط -
بعد جلسات ومناقشات ساخنة، وبحضور عدد كبير من المشاركين، اختتم أمس مؤتمر عمان الثاني للعلاقات العامة (الإشاعة والإعلام) الذي شارك فيه أكثر من 18 خبيراً و150 مشاركاً من مختلف الجهات المعنية، وذلك بإصدار عدة توصيات.
شملت التوصيات التأكيد على أهمية تفاعل الجهات الحكومية والخاصة مع ما يثار في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بإيجابية كبيرة تعكس متطلبات المرحلة الراهنة، وضرورة مواكبة المتغيرات المتسارعة في تشكيل الرأي العام، وانعكاساتها على الصورة الذهنية للوزارات والهيئات في المجتمع، وكذلك إضفاء المصداقية على الرسائل الإعلامية للوحدات الإدارية في الدولة بما يوثق العلاقات وبناء الثقة بينها وبين الجمهور.
كما أوصى المؤتمر بزيادة تدفق البيانات والمعلومات من أجهزة الدولة بشكل متسارع يتوافق مع التطور التقني الذي يقود وسائل الإعلام الرقمية، وبما يسهم في الحد من إثارة الإشاعات، إضافة إلى تعزيز دوائر الإعلام في الجهات الحكومية بحيث تكون ذات كفاءة عالية في التعاطي مع التطورات الحديثة في وسائل الإعلام الإلكترونية.
ومن التوصيات الصادرة عن المؤتمر أيضاً توعية الجهات الحكومية بالمتغيرات الجديدة في التعاطي مع الرأي العام بشفافية عالية تسهم في بناء ثقة متبادلة مع الرأي العام، ومواكبة التطورات التكنولوجية والاستفادة منها في تطوير الإعلام في الجهات المعنية، إضافة إلى العمل على المسارعة في إصدار قانون الإعلام وكذلك قانون المتحدث الرسمي لضبط الأداء الإعلامي وتقليل فرص إطلاق الإشاعات، والمضي قدماً في تنفيذ برامج توعوية من شأنها ترشيد المجتمع بمختلف فئاته وإشراكه في العمل على مواجهة الإشاعات وليس ترديدها.
وقد أقيم الحفل الختامي للمؤتمر برعاية رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان سعادة سعيد بن صالح الكيومي الذي قام بتوزيع الشهادات على المشاركين.
أرقام وإحصائيات
وناقش الخبراء في جلسات المؤتمر العديد من الموضوعات حول الإشاعة ووسائل مواجهتها، حيث استهل اليوم الأول بعرض مرئي قدمه مدير عام مركز السلامة المعلوماتية المهندس بدر الصالحي، وأبرز من خلاله العوامل التي ساهمت فيها وسائل التواصل الاجتماعي في تنامي الشائعات، موضحاً أن عدد سكان العالم يتجاوز 7 بلايين نسمة بينهم 3 بلايين مستخدم فعال ونشط للإنترنت، وهو ما يعادل 42 % من سكان العالم، وهناك 2.1 بليون مستخدم يمتلكون حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي، و3.65 بليون من مستخدمي الهاتف المحمول يستخدمون هواتفهم المحمولة والأجهزة اللوحية للدخول على الإنترنت، و1.7 بليون مستخدم لديه حساب نشط على شبكات التواصل الاجتماعي.
واستعرض الصالحي عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم، حيث إنَّ هناك 1.4 بليون مستخدم لشبكة فيسبوك وهم يمثلون 47 % من مستخدمي شبكة الإنترنت، بينما هناك 284 مليون مستخدم فعال للتويتر، و88 % من مستخدمي تويتر يستخدمونه عبر الهاتف النقال وهناك 500 مليون تغريدة يومياً، و300 مليون مستخدم للإنستجرام ويتداول عبره 70 مليون صورة ومقطع مرئي يومياً، وهناك 100 ساعة فيديو ترفع كل دقيقة في اليوتيوب و6 بلايين ساعة تشاهد كل شهر في اليوتيوب، وهناك 639 مليون مستخدم للفايبر و600 مليون مستخدم للواتساب و100 مليون مستخدم للسناب شات في العالم بينهم 70 % من النساء.
وأكَّد الصالحي أنَّ المركز الوطني للسلامة المعلوماتية رصد خلال 2014 عدداً من قضايا شبكات التواصل الاجتماعي في السلطنة، حيث بلغت 126 قضية 60 % للمؤسسات الحكومية و40 % للأفراد، وفي العام 2015 بلغ عدد القضايا 200 قضية 60 % للأفراد و40 % للمؤسسات.
الأبعاد الأمنية
الجلسة الأولى أقيمت تحت عنوان الإشاعة وأبعادها الأمنية والقانونية والإعلامية والاقتصادية، حيث أدارت الجلسة الإعلامية مديحة السليمانية، وتحدث فيها د.علي بن عبدالله الكلباني العميد المتقاعد وعضو سابق بمجلس الدولة والهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى للتعاون، حول الإشاعة وأبعادها الأمنية وكيفية مواجهتها وضبط مرتكبيها. وقدّم رئيس اللجنة القانونية والتشريعية بمجلس الشورى سعادة د.محمد الزدجالي ورقة بعنوان «كيف نواجه الإشاعة بالقانون؟»، وقدّم رئيس قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس د.محمد المشيخي ورقة بعنوان: «إستراتيجية معالجة الإشاعة»، فيما قدّم الإعلامي الخبير الاقتصادي أحمد بن عبدالكريم الهوتي ورقة بعنوان: «الإشاعة من المنظور الاقتصادي».
وجاءت الجلسة الثانية بعنوان: «مجلسا الدولة والشورى في مواجهة الإشاعة»، وأدارتها أمل الجهورية، الباحثة بمجلس الشورى، وقدَّم رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الدولة وأستاذ السياسات الاتصالية المساعد بجامعة السلطان قابوس المكرم د.أحمد بن علي المشيخي ورقة بعنوان: «السياسات الاتصالية والحد من الإشاعة»، كما قدّم رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى سعادة حمودة بن محمد الحرسوسي ورقة بعنوان: «جهود مجلس الشورى للحد من تأثير الإشاعة».
تجارب حكومية
وتواصلت الجلسات أمس حيث استهل اليوم الثاني بجلسة استعرضت فيها التجارب الحكومية في مواجهة الإشاعات، وكانت البداية مع أمامة اللواتية الباحثة بجامعة السلطان قابوس والتي أكدت في ورقتها تحت عنوان (الإشاعات والمؤسسات) أهمية التدخل الرسمي لتوضيح المعلومات ونفي الإشاعات، وأكدت أن أغلب المعلومات المستخدمة في ترويج الإشاعة تعتمد على «يقولوا» و«سمعت»، وأن هذا الأمر تتحمل مسؤوليته الجهات الرسمية وليس الأفراد؛ لأن تلك الجهات هي المعنية بتوفير المعلومات الكاملة عن كل ما يهم الرأي العام.
وضربت اللواتية مثالاً بما يتعلق بالمخططات السكنية الجديدة مشيرة إلى أهمية توفير معلومات متكاملة لكل السكان الجدد حول ما يتعلق بالمنطقة وعدد الخدمات المتوفرة بها وكافة مخططاتها وبنيتها الأساسية، كي يتم وضع القيمة الحقيقية للوحدات السكنية والتجارية واتخاذ القرار الصحيح.
وأشارت إلى أن أهم الإشاعات ترويجاً وانتشاراً وتأثيراً في الناس هي التي تتعلق بالأجواء المناخية، وأعطت مثالاً بإشاعات ترددت منذ فترة حول وجود منخفض جوي خطير وأدت الإشاعة إلى أن تسرع الناس إلى المتاجر لتفرغها مما فيها خوفاً من المنخفض، مؤكدة أهمية تدخل الجهات المعنية على الفور في مثل هذه الحالات لتوضيح الأمر ونفي الإشاعة.
في الورقة الثانية أشارت مديرة الإعلام بوزارة التجارة والصناعة نورة بنت عبدالرحمن الزدجالية إلى أن الوزارة تسعى جاهدة باستمرار إلى تطوير خدماتها للقطاعات الرئيسية وهي التجارة والصناعة والمواصفات والمقاييس، مشيرة إلى أن هذه الخدمات تنظمها قوانين ولوائح أعدت لتنظيم العمل بها والتي تتم مراجعتها بين فترة وأخرى لتتواكب وتتماشى مع التطورات العالمية في كل ما يشهده من تغيير في مجال الاستثمار في قطاعاته المختلفة.
وأوضحت الزدجالية أن الإشاعة الاقتصادية لها أضرار متعددة تمس المجتمع والاقتصاد الوطني وتمتد تأثيراتها إلى الخارج وذلك للتشابك المالي والاقتصادي عبر المنظمات والشركات العابرة القارات.
ونبّهت مديرة الإعلام بوزارة التجارة والصناعة إلى أهمية تحري الدقة والتأكد من صحة المعلومة لوضع حد لأي إشاعة، مشيرة إلى أن الإعلامي أمامه مسؤوليات كبيرة ويجب أن يتحملها وبصدق وأمانة، ويجب أن يستوعب حجم الخسائر التي قد تتحملها أي دولة جراء نشر الإشاعات سواء السياسية أو الاقتصادية.
وفي ورقته أكد أحمد بن جميل النعماني مشرف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بوزارة الشؤون الرياضية أن المجتمع العماني بيئة خصبة لانتشار الإشاعات مشيراً إلى وجود فراغ إعلامي كبير في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى انتشار الإشاعات وسرعة ترويجها بين المتابعين.
وأوضح النعماني أن هناك إقبالا كبيرا من فئة الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي بخاصة سناب شات الذي قال إنه موجه بشكل أساسي إلى الأعمار الصغيرة.
وأكد أحمد النعماني أن شرطة عمان السلطانية تعد نموذجاً يحتذى به في التفاعل المميز مع الإشاعات، وكذلك الهيئة العامة لحماية المستهلك كنموذج راق في كسب ثقة المستهلك.
وقد شهدت الجلسة عقب انتهاء المحاضرين من عرض أوراقهم مناقشات ساخنة مع المشاركين.
الأبعاد الاجتماعية
في الجلسة الثانية استعرض د.عماد فاروق أستاذ العمل الاجتماعي المساعد بجامعة السلطان قابوس، الأبعاد الاجتماعية للإشاعة، وأوضح أن الاهتمام بالإشاعة بدأ خلال القرن الفائت وأكد أن الإشاعة دائماً فيها جزء صحيح لكن مطلق الإشاعة يستغل ذلك لينشر ما يريد.
واقترح د. عماد في ورقته عدداً من الحلول أهمها تحديد الإشاعة، وتتبع مصدرها بدقة، ودراستها للتعرف على الغرض من وراء ترويجها، وتحديد الأفراد المؤسسين للشائعة وكذلك المروجين لها، والوسائل المستخدمة، إضافة إلى تحديد الجمهور المستهدف ووضع خطوات إجرائية للتعامل بطريقة علمية مدروسة، والتعامل السريع مع الإشاعة من خلال نشر المعلومات الحقيقية عبر وسائل الاتصال المناسبة.
وتحدث د.سالم الرواحي المدير بالمديرية العامة للإرشاد والوعظ في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، عن البعد الديني في الإشاعة مؤكداً أنها من أخطر الأسلحة الفتَّاكة والمدمِّرة للمجتمعات والأشخاص، وأشار إلى وجود الضرر الاجتماعي، المتعلق خصوصا بالأعراض، وقد شدَّد الإسلام على حُرمة الاستطالة في عِرْض المسلِم، وهناك الضرر الاقتصادي، والضرر الأمني بالبلاد.
وأشار إلى أن علاج الإشاعات من منظور شرعي يأخذ مسارين أساسين، أولهما عن طريق التوعية والتعامل مع الأخبار بالتثبت، والتفكر في عواقب الإشاعة، والمسار الثاني من خلال تشريع العقوبات الرادعة لمن يصدر الإشاعات.
وأشار أستاذ الصحافة والنشر الإلكتروني بجامعة السلطان قابوس د.حسني نصر، في ورقته عن الإشاعة من منظور إعلامي، إلى إمكانية تفسير انتشار الإشاعات من خلال نظرية عدوى وسائل الإعلام أو عدوى صحافة المواطنين أو عدوى شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يفسر بعض جوانب عملية إيجاد وتوزيع الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح لمستخدميها بدرجة عالية من السهولة إنتاج وتوزيع الشائعات من خلال خدمات الإعجاب والمشاركة والتعليق.
وأضاف أنه يمكن الحد من الآثار السلبية المترتبة على استخدام منصات صحافة المواطنين في العالم العربي، من خلال تشجيع إنشاء صفحات وحسابات تهدف إلى كشف الإشاعات ودحضها والتوعية بخطورتها.
في الجلسة الثالثة حول مواقع التواصل الاجتماعي التي أدارتها الإعلامية مديحة السليمانية قال عبدالله البحراني، عضو هيئة التدريس بجامعة السلطان قابوس إن الناس قديماً كانوا يعتمدون على السوق وهو أساس تداول الأخبار، وقد بدأنا نرجع إلى الفطرة الإنسانية في عملية التواصل ولكن باستخدام وسائل التقنية.
وأشار البحراني إلى وجود معاناة من عدم وجود استراتيجيات واضحة لكيفية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن السلطنة طبقاً لإحدى الإحصائيات الدولية كانت أكبر مصدر للإشاعات عالمياً العام 2011.
واستعرضت الزميلة حمدة البلوشية، مشرفة واتس علوم بـ «الشبيبة» تجربتها مع الإشاعات خلال الفترة الفائتة، مشيرة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تواصل عملها وبث أخبارها الصحيحة والكاذبة بحرية كبيرة بينما تعاني الصحافة من تكبيلها بعدد من القيود التي تحد من حركتها.
مواقع التواصل الاجتماعي