الاقتصاد الأمريكي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/يونيو/٢٠١٩ ١١:٤٣ ص
الاقتصاد الأمريكي

تود بوتشولز

ينطوي الاقتصاد اليوم على سِر صغير قذر: فقد استفادت الولايات المتحدة ــ ولا تزال تستفيد ــ من الركود العالمي. فالآن، نرى اقتصاد الولايات المتحدة في نشاط، حتى في حين يمارس المحتجون في المملكة المتحدة إلقاء مخفوق الحليب على أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مسيرات العدميين من حركة السترات الصفراء، وتخشى الشركات الصينية مثل شركة هواوي تجميدها خارج الأسواق الأجنبية.

في العام الفائت، سجل اقتصاد الولايات المتحدة نموا بلغ 2.9 %، في حين توسعت منطقة اليورو بنحو 1.8% فقط، مما أعطى الرئيس دونالد ترمب المزيد من الثقة في أسلوبه القائم على المواجهة. لكن النمو الأمريكي القوي نسبيا في ظل الركود في أماكن أخرى ليس ما قد تتوقعه كتب الاقتصاد. تُرى ماذا حدث للاقتصاد العالمي المتكامل بإحكام الذي كان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يروجان له ــ ويمجدانه مؤخرا ــ منذ الحرب العالمية الثانية؟ يمر الاقتصاد الأمريكية بمرحلة مؤقتة لكنها قوية حيث يعمل الضعف في الخارج على رفع الروح المعنوية في الداخل. لكن هذه النشوة الاقتصادية لا علاقة لها بضغائن وأحقاد عصر ترمب، بل ترتبط كثيرا بأسعار الفائدة.

إذا أفاق اليوم خبير اقتصادي بعد نوم دام عشر سنوات ولم ير غير هذه الأرقام، فسوف يفترض أن 20% من الأمريكيين عاطلون عن العمل ويقفون في طوابير خارج مطاعم الصدقة. ولكن على العكس من ذلك، أصبح معدل الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة عند أدنى مستوياته منذ خطا نيل أرمسترونج خطوته الأولى الشهيرة على سطح القمر قبل خمسين عاما.
تجلب أسعار الفائدة المنخفضة على نحو دائم ومعدل التضخم الضعيف فوائد متعددة للاقتصاد الأمريكية. فبادئ ذي بدء، يرى المستهلكون الأمريكيون، الذين بدأت أجورهم الحقيقية (المعدلة تبعا للتضخم) تتزايد أخيرا بعد عقود من الركود، كافة أشكال الصفقات. عندما قمت بزيارة أحد متاجر شركة أبل قبل بضعة أيام، أخبرني موظف في قسم الإصلاح بأنني أستطيع تمويل جهاز iPhoneجديد بفائدة صفر بالمئة. كما يقدم تجار السيارات تمويلا بدون فائدة.
علاوة على ذلك، ارتفعت سوق البورصة الأمريكية إلى عنان السماء لأن عائدات شهادات الإيداع المصرفية تبدو ضئيلة للغاية. عندما كنت صبيا في سبعينيات القرن العشرين، كانت أمي تضع مدخرات أسرتنا في البنك وتحصل على عائد بنسبة 6% فقط، ولكن بالإضافة إلى خلاط. واليوم، ربما تدر شهادة الإيداع المصرفية لمدة ستة أشهر ثلث نقطة مئوية فقط. ولم يعد بوسع أمي أن تتوقع خلاطا أو حتى مصاصة من البنك في مقابل إيداع أموالها هناك. أخيرا، تعني أسعار الفائدة المنخفضة أن الشركات الأمريكية يمكنها الحصول على تمويل مجاني تقريبا عند شراء المعدات. ونتيجة لانخفاض تكاليف الاقتراض والتخفيضات الضريبية الجديدة، أضاف الاقتصاد الأمريكي 215 ألف وظيفة جديدة في مجال تصنيع الآلات في عام 2018. ويدرك المستثمرون الأجانب أن المعدات الجديدة كفيلة بجعل الشركات الأمريكية أكثر قدرة على المنافسة.
ولكن من المؤكد، كما تصر الكتب الدراسية، أن الاقتصاد العالمي المكبل سيضغط الصادرات الأمريكية. ويصدق هذا ــ وخاصة عندما يقترن بتعريفات الصين الجديدة ــ على السلع الأمريكية والدولار القوي، مما يجعل الصادرات الأمريكية أكثر تكلفة على المستوى الدولي.
مع ذلك، تشكل الصادرات 12% فقط من الاقتصاد الأمريكي، ويذهب ما يقرب من ثلث الصادرات إلى كندا والمكسيك، اللتين كان أداؤهما الاقتصادي على ما يرام. علاوة على ذلك، يُعَد قسم كبير من صادرات الولايات المتحدة من البنود التي «يجب الحصول عليها» (أو السلع الاحتكارية التي تصنعها قِلة من الشركات)، مثل طائرات بوينج النفاثة، أو رقائق Qualcomm، أو أجهزة iPhoneمن شركة أبل. ومن الصعب حتى بالنسبة للفرنسيين المحزونين المكتئبين، أو الألمان المرتاعين أن يستغنوا عن كل هذا.
الواقع أن ازدهار الاقتصاد الأمريكي يقلق صناع السياسات في بلدان أخرى. وهم يفضلون لو تتعثر الولايات المتحدة إلى جانبهم وتضطر إلى ابتكار طرق تعاونية لتعزيز النمو العالمي.
لا أحد يعلم متى قد يتوقف هذا القسر التجاري الذي يمارسه ترمب بطبيعة الحال. ولكن ما دام التضخم بعيد المنال، فسوف يظل الاقتصاد الأمريكي يتمتع بهذا النمط غير العادي من النمو.

شغل منصب مدير السياسات الاقتصادية في البيت الأبيض الأمريكي خلال فترة رئاسة جورج بوش الأب