إن ما طاعك الزمان طيعه!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٩/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٧ ص

موسى البلوشي

ساهمت ثورة الطباعة التي قادها غوتنبرغ في إحداث تغيير في مجال نشر المنجز الإنساني ،ابتداءً من صحف أوروبا وأمريكا إلى صحف الوطن العربي التي تصدرتها صحيفة الوقائع المصرية والتي حفظنا اسمها من فقرة الأوائل في الإذاعة المدرسية.
ارتبط بروز الصحافة تارة بالتشريعات في مجال النشر، وتارة أخرى بالأوضاع السياسية بخاصة موجات التحرر من الاستعمار وتحسّن المستوى التعليمي والثقافي، كما ساهمت الإعلانات المطبوعة في توهج الصحافة وانتشارها.
في إبريل 2011 كانت الغد الأردنية أول صحيفة في الوطن العربي تطلق نسخاً ثلاثية الأبعاد، ووزعت الصحيفة نظارات خاصة بها على المشتركين في تحول بارز للصحافة. وحين أعلنت فيس بوك قبل بضعة أشهر عن اختبار ميزة الرموز التعبيرية الجديدة قررت صحيفة USA TODAY الأمريكية تجربة هذه الرموز على صفحاتها الورقية وليست الإلكترونية، حيث استخدمت هذه الرموز بجانب المقالات والأخبار المنشورة.
وبعيدا عن السرد التاريخي فإن مسلسل خفوت الصحف الورقية ليس وليد اليوم، فقد بدأ منذ أن اخترع تيم بيرنز شبكة الانترنت ودشنّت الصحف العالمية مواقعها على الانترنت، ومع تطور أجيال الويب بدءًا بالويب 1.0 وليس انتهاءً بالويب 4.0 الذي نعيش ملامحه، بدأت الصحف الورقية في البحث عن أفكار تنعش مبيعاتها المتراجعة حتى وصل الأمر ببعض الصحف لأن تبيع مواد غذائية ومشروبات مع نسخها المطبوعة، لكن كل هذه الأفكار لم تحل دون نتيجة حتمية وهي الأفول، والتسليم بقوة تقنيات النشر الرقمي والتوجه نحو الإعلانات الرقمية، حتى سمعنا قبل أيام عن توقف صحيفة "الاندبندنت" عن الطباعة للمرة الأولى منذ 30 عاماً، لتعنون إحدى الصحف: "صحيفة الاندبندنت البريطانية.. جف حبرها".
نعم، لم تعد تطمينات الخبراء العاطفية بأن ملمس الورق وحميميته ستظل سببا في استمرار الصحف، كانت الناس تشتري الصحف من أجل الأخبار، لكن الناس الآن يبحثون عن أكثر من مجرد الخبر مكتوبا، يريدونه مرئيا ومسموعا ومتحركا وكأنه يحدث الآن، الاخبار في هذا الوقت وهذه اللحظة ليست على مكاتب رؤساء التحرير ولا حتى المطابع بل في منصات التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية!
صحافة الحاضر والمستقبل ليست بحاجة إلى إنفاق مبالغ فيها حتّى على مستوى النشر الرقمي وتقنياته بل هي بحاجة إلى فهم المستقبل واستشرافه والبقاء على اتصال مع كل ما يستجد من تقنيات، وكل هذا يشكل تحديا للصحفي قبل غيره من العاملين في مجال الصحافة، وقبل ذلك فرصة ليحافظ على مكانه ويثبت نفسه ويفكر في محتوى ابتكاري يناسب الفضاء الرقمي وجمهوره.