هل نسحب الثقة، أو لا نسحبها

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يونيو/٢٠١٩ ١٣:٢٧ م
هل نسحب الثقة، أو لا نسحبها

اليزابيث درو

مع عودة الكونجرس الأميركي من إجازة مدتها عشرة أيام، كانت المسألة حول ما إذا كان من الواجب على مجلس النواب (الذي يسيطر عليه الديمقراطيون) أن يبدأ رسميا عملية سحب الثقة من الرئيس دونالد ترمب بسبب جرائم ارتكبها خلال فترة ولايته ــ وربما قبل ذلك ــ سببا في انقسام الحزب. نظريا، يجب أن يعقب سحب الثقة من قِبَل مجلس النواب المحاكمة في مجلس الشيوخ. لكن مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، من غير المرجح على الإطلاق أن يدين زعيم الحزب، ما لم يظهر كشف جديد مذهل حول أفعاله ــ وهو أمر لا يمكن استبعاده.

على الرغم من كل الاهتمام من قِبَل الصحافة المكرس للعدد المتنامي من الديمقراطيين في مجلس النواب الذين يدعمون إطلاق عملية سحب الثقة الآن، فإن مجموعهم (أكثر من خمسين الآن) يمثل نحو خـُمس الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب فقط. والنواب الجمهوريون مخلصون تمام الإخلاص لزعيمهم ترمب ــ أو خائفون من مواجهة تحد رئيسي في عام 2020 ــ حتى أن نائبا واحدا فقط، وهو جوستين أماش من ولاية ميشيجان، وهو تحرري حازم، يدعم سحب الثقة، وإن كان جمهوريون آخرون يسعدهم على المستوى الخاص أن يرحل ترمب.

تزعم رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي أنها تعارض سحب الثقة، على الأقل في الوقت الحالي، لكنها تترك السؤال مفتوحا جزئيا بالتلفظ بعبارات مثل «لم نصل إلى هذا الحد بعد». وهي تقول إن سحب الثقة من ترمب يُعَد سياسة رديئة لا تصب في صالح حزبها، لأنها من شأنها أن تزيد من قوة ورسوخ الدعم الجمهوري له وأن تزيد فجوة الانقسام في البلاد اتساعا. كما تخشى أن يتسبب إطلاق عملية سحب الثقة الآن في تقويض أهدافها الرئيسية: تجنب تعريض سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب والتي جرى فرضها بشق الأنفس للخطر، وتعظيم فرص الحزب في الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
الواقع أن بيلوسي وغيرها من زعماء الحزب كانوا يقولون إنهم يفضلون إقامة الدعوى في هذا الشأن في وقت الانتخابات الرئاسية في عام 2020. وهم يعتقدون، لسبب وجيه، أن أداء الحزب الديمقراطي كان جيدا للغاية في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي في عام 2018 لأن مرشحيه أكدوا على قضايا ذات أهمية مباشرة للناخبين ــ مثل تغطية الرعاية الصحية وتكاليفها. ومع ذلك، يقول مسؤول انضباط الأغلبية في مجلس النواب، جيمس كلايبورن، إنه يعتقد أن ترمب سيعزل «عند مرحلة ما». ومثله كمثل بيلوسي، يعتقد كلايبورن في ضرورة تقديم حجة قوية قبل اتخاذ أي إجراء. من المفترض أن تعمل جلسات الاستماع المخطط لها من قِبَل العديد من لجان مجلس النواب على إقامة تلك الحجة. (لم يساعد ترمب نفسه عندما حاول منع هذه اللجان من الوصول إلى الوثائق وشهادة سبع معاونين سابقين. وحتى الآن، أصدرت المحاكم قراراتها لصالح الديمقراطيين في مجلس النواب).
برغم أن بيلوسي تعتبر على نطاق واسع واحدة من أكثر الخبراء الاستراتيجيين في واشنطن ذكاء، فإن موقفها المعلن لا يخلو من مشاكل. لا أحد يستطيع أن يتنبأ الآن بالعواقب السيئة المترتبة على سحب الثقة من ترمب، وحتى الدستور الذي أسس لعملية سحب الثقة كواحد من الضوابط التي تحكم سلوك الرئيس بين الانتخابات لا يقول أي شيء عن استخدام هذا الضابط فقط عندما يكون ملائما من الناحية السياسية. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى النتائج في عام 2018، فربما يسعى قادة الحزب الديمقراطي إلى تثبيط أي محاولة لجعل شخص الرئيس القضية الرئيسية في الانتخابات المقبلة. الأمر الأكثر أهمية أن اتخاذ القرار بعدم بدء عملية سحب الثقة من ترمب ربما يشكل سابقة مروعة. فإذا لم يعزل ترمب بسبب أفعاله الإجرامية العديدة وإساءته لاستخدام السلطة، فهل تظل هذه العملية من الضوابط القابلة للتطبيق لمنصب الرئاسة؟
بدت بيلوسي غير مهتمة بهذه المسألة. ولإثناء زملائها من الديمقراطيين في مجلس النواب عن الدعوة إلى سحب الثقة، تحذر بيلوسي من أن ترمب يريد أن يُعزَل، لأنه يعتقد أن هذا سيصب في مصلحته السياسية. ولكن ليس من الواضح على الإطلاق أن الأمر كذلك حقا. فلن يرحب أي رئيس بندبة العزل. يشير ترمب إلى «كلمة العزل»، التي وصفها الأسبوع الفائت بأنها «كلمة قذرة وبذيئة ومثيرة للاشمئزاز»، علاوة على ذلك، لا تتعلق مسألة سحب الثقة بالسياسة، بل تتعلق بمبادئ دستورية. يُقال إن ترمب أصابه انزعاج شديد عندما خرج المستشار الخاص الأسبق الآن روبرت مولر عن صمته الطويل ليعلن استقالته ويقول: «لو كنا على يقين من أن الرئيس لم يرتكب جريمة بوضوح، فإننا كنا لنقول ذلك». (الواقع أن مولر، في عزوفه التام، واللائق، عن تجاوز ما يقوله تقريره، وعدم رغبته في تعريض نفسه للسيرك الحزبي، يقاوم الآن المطالبات من قِبَل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالظهور ــ على الأقل علنا ــ أمام لجنة تابعة للكونجرس).
لكن آخرين يرون قيمة عالية في حمل مولر ببساطة على توضيح ما يقوله تقريره الذي يتألف من 448 صفحة أمام كاميرات التلفزيون. كان ترمب حريصا على تصوير النتائج التي توصل إليها التقرير على أنها تبرئه تماما («لا تواطؤ، ولا إعاقة للعدالة»)، حتى برغم أن التقرير ذكر صراحة أن هذه لم تكن الحال.
الأمر الأشد سوءا من منظور ترمب هو أن مولر الذي نال الإعجاب على نطاق واسع أوصى في واقع الأمر بأن يتعهد الكونجرس بعملية سحب الثقة. وقد أوضح مولر أن سياسة وزارة العدل المثيرة للجدال، والتي كان المقصود منها مساعدة الرئيس ريتشارد نيكسون، تمنع توجيه الاتهام لرئيس حالي. لكن هذا ليس في الدستور، وهو ليس بقانون. (كان نيكسون متآمرا مشاركا غير مدان في التستر على عملية السطو المسماة واترجيت، في حين كان ترمب وحده في قضية نيويورك التي تنطوي على مشاركته في دفع مكافآت قبل الانتخابات لإسكات سيدتين كان على علاقة جنسية بهما بعد فترة وجيزة من ولادة نجله بارون).
بعد فترة وجيزة من نشر التقرير في منتصف إبريل، انخرط مولر ووزير العدل الأميركي ويليام بار، وهما زميلان سابقان وصديقان، في جدال مهذب لكنه شرس حول نتائج التحقيق. وقد أصر بار، الذي كان ذات يوم محاميا للمؤسسة الجمهورية والذي كان صريحا إلى حد غير عادي، بصفته نائبا عاما، في الدفاع عن الرئيس، على شرح الاستنتاجات الرئيسية التي توصل إليها التقرير، والتي أساء تفسيرها بشكل ثابت، على نحو أثار استياء ميولر. يتجاهل ترمب استنتاج مولر الذي لا لبس فيه ــ والذي يتفق مع ما توصل إليه مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة بالكامل ــ بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016 لصالح ترمب. من الواضح أن قبول هذا الاستنتاج من شأنه أن يقوض شرعية فوزه في المجمع الانتخابي. وقد أفادت بعض التقارير أن كبار مسؤولي الأمن طُلِب منهم عدم التطرق حتى إلى موضوع تورط روسيا أمام ترمب.
هذا يجعل من غير المرجح إلى حد كبير أن يدعم ترمب أي محاولة حقيقية لدرء أي تدخل انتخابي مماثل ــ وربما أكثر شدة ومن قِبَل عدد أكبر من الدول ــ في عام 2020. بل وربما يرحب بالتدخل الأجنبي. قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي ــ أحد المسؤولين القلائل الذين لا يتورعون عن مواجهة ترمب علنا (سيكون من المحرج للغاية أن يقيل ترمب مديرا ثانيا لمكتب التحقيقات الفيدرالي) ــ إن روسيا كانت نشطة في انتخابات التجديد النصفي في عام 2018 ومن المرجح أن تزيد من جهودها في مسابقة 2020. وعلى افتراض أن ترمب لا يزال في منصبه آنئذ، فقد تكون الانتخابات الرئاسية القادمة أشد قذارة وقبحا من أي وقت مضى.

مدير تحرير مشارك ومؤلفة كتب كان آخرها مجلة واشنطن :التغطية الاخبارية لوترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون.