جيفري فرانكل
ذكر الرئيس الامريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا الشهر وبشكل مفاجىء ان الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة الامريكية والصين ليست وشيكة بل على العكس من ذلك رفعت ادارة ترامب بتاريخ 10 مايو نسبة الرسوم الجمركية السابقة والتي تصل الى 10% على بضائع صينية تصل قيمتها الى 200 مليار دولار امريكي الى 25% كما هددت بتطبييق نفس النسبة على الواردات الامريكية من الصين والتي تصل قيمتها الى حوالي 300 مليار دولار امريكي بحلول اواخر شهر يونيو.
لقد تعاملت الصين بالمثل حيث فرضت رسوم جمركية مماثلة على صادرات امريكية تصل قيمتها الى 60 مليار دولار امريكي ابتداء من الاول من يونيو ولقد تسببت تلك الاحداث المفاجئة في حدوث هبوط في أسواق المال حيث هبط موشر س اند بي بمقدار 4% خلال الاسبوع الاول من الحرب التجارية المتجددة.
إن السياسة التجارية الامريكية الحالية هي عبارة عن فوضى عارمة من الاهداف المتعارضة ونظرا للطريق المسدود الحالي فيما يتعلق بالمحادثات مع الصين وعدم القدرة بشكل عام على التنبؤ بتصرفات ترامب فإن من غير المرجح ان تنتهي تناقضات السياسة التجارية الامريكية وتكلفتها قريبا.
بادىء ذي بدء فإن المسؤولين الامريكيين وبعض الاقتصادين البارزين يبررون الرسوم الجمركية الامريكية المرتفعه بالقول بإن تلك الرسوم هي مؤسفة ولكنها اجراء مؤقت لتسريع الامور كما انها وسيلة ضرورية لتحقيق غاية استراتيجية وطبقا لوجهة النظر تلك فإن الرسوم الجمركية هي سلاح ستمكن ترامب صانع الصفقات الماهر من فرض تنازلات على الصين وغيرها من شركاء امريكا التجاريين.
لكن ترامب يتحدث وكأنه يريد ان تصبح تلك الرسوم الجمركية دائمة وهو مستمر في الاصرار على ان الصين تدفع تكلفة الرسوم الجمركية مما يعني انها ترسل الاموال الى الخزانة الامريكية وبالاضافة الى ذلك فإنه يبدو غير مهتم من الاثار طويلة المدى المحتملة لحرب تجارية طويلة والتي تشمل فصل الاقتصادين الصيني والامريكي وخسارة المكاسب من التجارة بما في ذلك تفكيك سلاسل التوريد والتي تعتمد عليها الكثير من الصناعات في البلدين.
في الوقت نفسه ، تطالب ادارة ترامب بإن تقوم الصين بعمل تسهيلات للشركات الامريكية من اجل تأسيس اعمالها في البلاد وخاصة التأكيد على ان الشركات الامريكية غير مطالبة بنقل التكنولوجيا او اي شكل اخر من اشكال الملكية الفكرية للشركاء المحليين ولكن هذا الطرح يتعارض مع هدف ترامب بزيادة صافي الصادرات الامريكية للصين والذي من المفترض ان يتضمن قيام الشركات الامريكية بالانتاج في امريكا نفسها عوضا عن الصين.
ان انعدام الترابط والتجانس ضمن السياسات التجارية لترامب يبدو اكثر اثارة للقلق عند النظر لتلك السياسات بشكل اعمق فلو بقيت الرسوم الجمركية المرتفعة بشكل دائم – كما يبدو الوضع حاليا- فإن الولايات المتحدة الامريكية والاقتصاد العالمي سيكونان في وضع أسوأ.
ان ترامب يعتقد مبتهجا بإن الصين تساعد في تمويل الحكومة الامريكية من خلال الرسوم الجمركية وهذا اعتقاد مبالغ به جدا.
إن الرسوم الجمركية هي عبارة عن ضريبة علما ان المستهلكين والشركات في امريكا وليس الصين هم من يدفعونها. صحيح ان من الممكن نظريا ان يضطر المصدرون الصينيون لتخفيض اسعارهم لو أدت الرسوم الجمركية الامريكية الى هبوط كبير في الطلب على منتجاتهم ولكن طبقا لدراستين من قبل اقتصاديين بارزين استخدموا فيها بيانات سنة 2018 فإن المصدرين الصينيين لم يخفضوا اسعارهم مما يعني ان كامل الزيادة في الاسعار قد تم تحويلها الى الأسر الامريكية.
طبقا لإحدى تلك التقديرات فإنه لو نفذ ترامب تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع الواردات من الصين ، فإن التكلفة التي ستتحملها الاسرة الامريكية العادية ستصل الى 300-800 دولار أمريكي سنويا وبالاضافة الى ذلك فإن هذا الرقم لا يتضمن التكلفة على الشركات والعمال والمزارعين في امريكا بسبب فقدان الصادرات والناتجة عن الاجراءات الانتقامية الصينية وغيرها من التأثيرات وبما في ذلك ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملة الصينية رينمينبي.
إن أي حرب موسعة تتعلق بالرسوم الجمركية ستؤدي كذلك الى خسارة المكاسب من التجارة الامريكية الصينية.
لقد ذكر الاقتصاديون منذ مدة طويلة بإنه يجب ان لا نتوقع من العامة ان يفهموا مبدأ المكاسب من التجارة بدون ان يتم تعليمهم مبدأ الاقتصادي البريطاني ديفيد ريكاردو والمتعلق بالميزه النسبية.
ان هذه الفكرة – والتي تنص على ان التجارة بين بلدين يمكن ان تكون مفيدة بشكل متبادل لهما وحتى لو انتج احدهما كل شيء بشكل ارخص من البلد الاخر- وحسب الوصف الشهير للاقتصادي الامريكي بول سامويلسون هي صحيحة عالميا وان لم تكن واضحة.
لكن في واقع الامر لا يحتاج المرء لإن يفهم مبدأ الميزة النسبية بشكل كامل من اجل ان يدرك الفكرة الاساسية المتمثلة بالمكاسب المتبادلة من التجارة.
لو وافق المشتري والبائع بشكل طوعي على التبادل فإن كلاهما سيكسب وهذا المبدأ يفترض بإن بإستطاعة الطرفين الحكم بشكل جيد على ماذا يريدان أو على الاقل بشكل افضل من الحكومة نفسها.
إن هذا الافتراض عادة ما يكون صحيحا مع بعض الاستثناءات ( مثل مشتريات الافيون للمتعاطين).ان القول بإن كلا البلدين يستفيدان بشكل عام من التجارة لا يعني الادعاء بإن كل مواطن في كل بلد يستفيد منها.
ان التغيرات في الرسوم الجمركية تؤدي لظهور رابحين وخاسرين في كل بلد ولكن بينما عادة ما يؤدي تحرير التجارة لإن يكون الرابحين اكثر من الخاسرين فإن رفع الرسوم الجمركية عادة ما يكون لها نتيجة عكسية.
يبدو ان ترامب قد تمكن من صياغة مثالا مذهلا على ذلك فحربه التجاريه مع الصين قد ألحقت الضرر بجميع قطاعات الاقتصاد الامريكي تقريبا وكان عدد الرابحين محدودا جدا.
ان الخاسرين لا يقتصرون على المستهلكين فهناك ايضا الشركات والعاملين لديها والمزارعين الذين خسروا اسواقهم التصديرية والمصنعين الذين اضطروا لدفع تكاليف اكثر لمدخلات الانتاج وحتى صناعة السيارات الامريكية والتي لم تطلب «حماية «ترامب أصبحت في وضع اسوأ بشكل عام لإنها مضطرة الان لدفع المزيد مقابل الفولاذ وقطع الغيار المستوردة.
نتيجة لذلك أصبح ترامب على وشك تحقيق شيء كان يبدو مستحيلا وهو الرسوم الجمركية التي لا تفيد اي شخص تقريبا.
عادة ما يتم تفسير الحمائية على انها نتيجة لمصالح خاصة تمتلك سلطة غير متناسبة.
ان رسوم ترامب الجمركية ضد البضائع الصينية لا تتناسب مع هذه الفرضية علما انه لا يوجد فرضية بإمكانها تفسير تلك الرسوم.
أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.