أوروبا الغد

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٨/مايو/٢٠١٩ ١٦:٣٧ م
أوروبا الغد

خافيير سولانا

يشارك الاتحاد الأوروبي، كل خمس سنوات، في تمرين يكسبه وعيا ذاتيا.

إذ تسمح لنا انتخابات البرلمان الأوروبي بالنظر إلى أنفسنا في المرآة والتأمل في مرور الوقت.

ومع ذلك، فإن الانتخابات المقبلة لها طبع خاص: إذ ستكون الأولى منذ أزمة اللاجئين، ومنذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
وفي هذه السنوات المضطربة، دائما ما كنا نتأمل في المرآة. وبعد هذا التصويت، سوف يكتسب تفكيرنا أخيرًا الوضوح الذي نتوق إليه.
وعادة ما توصف انتخابات البرلمان الأوروبي بأنها «انتخابات من الدرجة الثانية». ويبدو أن نسبة الإقبال المنخفضة للناخبين، التي كانت تتراجع باطراد منذ الانتخابات الأولى في عام 1979، تشير إلى أن الأوروبيين لا يولون أهمية كافية لها.
إذ قبل ثلاثة أشهر من انتخابات هذا العام، كان 33 % فقط من المواطنين الأوروبيين على علم بأن الانتخابات ستعقد في شهر مايو، و5 % فقط كانوا على علم بتواريخ إجراءها بالضبط. وقبل شهر، كان 26 % فقط من الألمان على دراية بمواطنهم مانفريد ويبر - مرشح حزب الشعب الأوروبي لرئاسة المفوضية الأوروبية.
ولكن استطلاعات الرأي ترسم صورة أكثر إشراقا.
إذ يظهر أحدث استطلاع ليوروباروميتر أن ما يقرب من سبعة من أصل عشرة أوروبيين، باستثناء البريطانيين، يعتقدون أن بلادهم استفادت من الاندماج - وهي أعلى نسبة منذ عام 1983.
ويتقاسم معظم البريطانيين، الآن، نفس الرأي.
ومع ذلك، فقد حدثت قطيعة سياسية معينة في جميع أنحاء أوروبا، ويؤثر هذا على جميع مستويات الحكم.
وتظهر المشكلة بوضوح، على الخصوص، في البلدان التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي بعد نهاية القرن.
ويثق مواطنو أوروبا الشرقية في النظام السياسي أقل من نظرائهم في أوروبيا الغربية، وليس من المفاجئ إذا أن يتراجع عدد المصوتين منهم في الانتخابات الأوروبية والوطنية. وينتشر السخط المؤسسي والإقبال المنخفض بين الشباب الأوروبيين عمومًا، مع أن تأييدهم لأوروبا يفوق المتوسط.
وفضلا عن ذلك، بالنسبة للأجيال التي كانت تحمل آمالا وهي تراقب تطور المشروع الأوروبي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فإن العلاقة المتناغمة بينها وبين النظام السياسي قد انتهت.
إذ قال العالم السياسي البلغاري، إيفان كراستيف، أنه بدلاً من الوصول إلى «نهاية التاريخ» التي وصفها فرانسيس فوكوياما لأول مرة في عام 1989، يبدو أننا وصلنا إلى نهاية اهتمام معظم الناس بالتاريخ.
وكما قال كراستيف، ومارك ليونارد، وسوسي دينيسون من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، «لقد أنشأ الاتحاد الأوروبي من قبل المجتمعات التي كانت تخشى ماضيها.
أما الآن، فالأوروبيون يخافون من المستقبل «.ومع أنه لا يزال من الضروري التأكيد على دور الاندماج الأوروبي على أنه ضامن للسلام بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى مصادر شرعية إضافية.
ولسوء الحظ، كان للتحديات الاقتصادية، وتلك المتعلقة بالهجرة في السنوات الأخيرة - والتي تعامل معها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بطريقة سيئة - تأثير عكسي.
وأدى ذلك إلى فتح المجال أمام الأحزاب القومية الشعبوية لكسب الدعم عن طريق تقديمها وعودا بمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، مثل الأزمة الديموغرافية المتنامية، بواسطة استراتيجيات من الماضي المثالي، مثل العزلة الوطنية. ومع ذلك، فإن فوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد بعثت رسالة قوية مضمونها أن الرياح باردة جدًا خارج الاتحاد الأوروبي. إذ بدأت المملكة المتحدة ترتعش بالفعل بعد أن فتحت الباب للتو.
إن المسافات الجغرافية والسندات الاقتصادية المقيدة، والوزن الاقتصادي الصغير نسبيا للدول الأوروبية، كلها حقائق لا مفر منها.
ولاحظ المواطنون الأوروبيون ذلك، ولا عجب في أن الأحزاب القومية الشعبوية في القارة قد توقفت، على ما يبدو، عن التفكير في الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وتتعارض هذه الأطراف في العديد من القضايا، لكنها تجد أرضية مشتركة في خطابها المتعلق بمكافحة كراهية الأجانب.
وفي هذا الصدد، يجب التأكيد على أن الحق في اللجوء معترف به دوليًا، وأن الهجرة بصفة عامة يمكن أن تساعد في مواجهة تراجعنا السكاني، وأن عدد المهاجرين في العالم الصناعي أقل بكثير مما يُعتقد عمومًا.
ومعارضة الهجرة غير الخاضعة للرقابة أمر معقول، ولكن أن ندير ظهرنا لجيراننا ليس كذلك.
وهنا، لا نتحدث فقط عن ضرورة إنسانية: فالأمن الخارجي والداخلي، في النهاية، مرتبطان إلى درجة لا يمكن تفريقهما.
وعلى أي حال، فإن القضية التي تهم الأوروبيين أكثر اليوم ليست قضية الهجرة، بل قضية الاقتصاد.
وأحد أكبر التحديات التي نواجهها اليوم هي عدم المساواة، التي تتصاعد في جميع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريبًا.
وفي الوقت نفسه، اتسعت الفجوة بين الشمال والجنوب الأوروبي أيضًا نتيجة للأزمة الاقتصادية.
ومع أن الدول الأعضاء لا يمكنها أن تتهرب من مسؤولياتها، إلا أنه يتعين على المؤسسات الأوروبية فعل المزيد لتعزيز التماسك عن طريق عقد اجتماعي جديد، والذي يجب أن يشمل كل شيء بما في ذلك اضطرابات سوق الشغل التي تعتمد على التكنولوجيا والاستدامة البيئية.
ومع أن الأمر قد يكون متناقضا، فالحقيقة هي أنه حتى وإن كانت الثقة في الاتحاد الأوروبي قد تزعزعت بقوة، فإن الاندماج الأوروبي استمر بدون توقف خلال العقد الماضي.
وهناك، بالطبع، طريق طويلة أمامنا.
ولكن لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي من قبل أدوات أكثر فاعلية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية التي قد تنشأ. إذا كان على الاتحاد أن يستمر في هذا المسار بعد الانتخابات، وإذا أراد أن يحافظ على دوره كعنصر فاعل متعدد الأطراف في عالم يعرف تزايد المنافسة بين القوى الكبرى، فسوف يتعين على الأغلبية الصامتة المؤيدة للاندماج أن تنطق وتتعبأ.
وعن طريق التأمل في السنوات الأخيرة، تمكن الأوروبيون أخيرا - على الأقل –من بناء فضاء سياسي مشترك.
وبدلاً من السماح للقوميين الشعبويين باستخدامه ضدهم، يجب على الأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي صياغة قصة تحويلية تركز على المستقبل.
وكما قال الكاتب النمساوي ستيفان زويغ، قد يسعدنا أحيانًا الحنين إلى «عالم الأمس».ولكن، وفقا لزويغ أيضًا، يجب أن نستمر في المشاركة في مشاريع تطلعية، مثل أوروبا المسالمة والمندمجة التي لم يعش زويغ ليراها.
إن أفضل تكريم لمؤيدي وحدة أوروبا هو تجنب الشعور بالشلل بسبب الحنين إلى الماضي، والالتزام ببناء أوروبا الغد.

ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى السابق لشؤون السياسة الخارجية والأمن، والأمين العام الأسبق لمنظمة حلف شمال الأطلسي