ترامب فوق القانون

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/مايو/٢٠١٩ ١٤:٢٤ م
ترامب فوق القانون

إليزابيث درو
اتخذت الأمور منحى في غاية القبح في واشنطن العاصمة منذ صدر في الشهر الفائت تقرير المستشار الخاص روبرت ميولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016، وهي توشك أن تصبح أشد قبحا. لقد بات من الواضح الآن أن الولايات المتحدة لديها وزير عدل يتصور أن وظيفته تتلخص في حماية الرئيس، ولتذهب الحقيقة إلى الجحيم. خلال شهادته أمام اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ الأسبوع الفائت، عِمِد ويليام بار، المسؤول الأكبر عن إنفاذ القانون في البلاد، إلى التشويش والكذب بكل ازدراء واستهتار.
لم يكن تعيين بار نفسه كمحام دفاع ومصلح لأخطاء الرئيس دونالد ترامب مفاجئا لأولئك الذين يتذكرون كيف ساعد كوزير عدل في إدارة الرئيس جورج بوش الأب في التستر على فضيحة إيران كونترا في أواخر ثمانينيات القرن العشرين.
وقد اجتاز اختبار الأداء لولايته الثانية في المنصب بكتابة مذكرة لم يطلبها أحد من 19 صفحة زعم فيها أن الرئيس، بحكم التعريف، من غير الممكن أن يعيق العدالة، وأن تحقيق مولر في هذه القضية كان بالتالي «مخطئا في حكمه بشكل قاتل». وهو يرى على نحو مناف للعقل أن الرئيس يمكنه منع أي تحقيق في شخصه إذا ارتأى أنه غير عادل.
في شخص بار، حصل ترمب أخيرا على روي كوهن آخر، المحامي السيء السمعة من ولاية نيويورك الذي أخرج ترمب من العديد من المآزق القانونية.
كان ترامب غاضبا بشدة لأن وزير عدله الأول، جيف سيشنز، استبعد نفسه من التحقيق الروسي، ثم أقاله في النهاية. وعلى الرغم من تقديم عشرة أمثلة لإعاقات محتملة، فقد التزم مولر بمبدأ وزارة العدل التوجيهي المشكوك في صحته ضد توجيه الاتهام رسميا للرؤساء الشاغلين لمنصبهم، وامتنع عن اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان ينبغي توجيه الاتهام إلى ترامب، ودعا الكونجرس إلى اتخاذ القرار.
لكن بار تدخل لإعلان براءة ترامب، أولا في رسالة إلى الكونجرس في الرابع والعشرين من مارس تلخص ظاهريا النتائج التي خلص إليها مولر، ومرة أخرى في مؤتمر صحافي غريب قبل 90 دقيقة من إصداره لنسخة منقحة من التقرير.
وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ، ادعى أنه لا يفهم سبب رفض مولر اتخاذ القرار بشأن الاتهامات بعرقلة العدالة. بحلول وقت إدلاء بار بشهادته، كانت رسالته في الرابع والعشرين من مارس فقدت مصداقيتها.
قام أكثر من 450 مدع عام فيدرالي سابق بالتوقيع على خطاب مفتوح ينص على أنه لولا المبدأ التوجيهي الصادر عن وزارة العدل فإن ترامب كان ليتهم بعرقلة العدالة. بعد الإشراف على التحقيق الذي دام عامين بلا أي تسريبات على الإطلاق، كان «خروج عمل مولر على الورق»، على حد تعبير الدوائر الحكومية، غير عادي. من المفهوم أن يعتزم الكاتب نشر هذه الاتصالات علنا. في شهادته أما مجلس الشيوخ، رفض بار الذي كان منزعجا بوضوح رسالة مولر بوصفها «مزعجة»، وقال إنها «ربما كُتِبَت بواسطة أحد موظفيه». الأمر الأكثر أهمية هو أن بار بعد أن تلقى رسالة مولر شهد أمام لجنة التخصيص والاعتمادات في مجلس النواب بأنه لم يكن يعرف كيف كان شعور مولر تجاه رسالته في الرابع والعشرين من مارس. والآن بعد أن علم أعضاء اللجنة أن بار تلقى بالفعل رسالة مولر، فقد دعوه إلى الاستقالة.
كما اتهمت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، بار بالكذب على الكونجرس، مشيرة إلى أن هذا يُعَد «جريمة». لقد أخزى بار نفسه في شهادته أمام مجلس الشيوخ وخرج من الأمر متضررا بشدة.
ولم يكن من المستغرب أن يرفض حتى حضور جلسة استماع اللجنة القضائية في مجلس النواب التي كانت مقررة لليوم التالي.(ظاهريا، اعترض على خطة اللجنة لجعل مستشار اللجنة يطرح عليه أسئلة وهي مسألة روتينية). السؤال الآن هو ما إذا كان الديمقراطيون في مجلس النواب يعتزمون إطلاق إجراءات توجيه الاتهام والعزل ضد ترامب. حتى الآن، كانت بيلوسي تقاوم هذا الاتجاه، خشية حدوث مشاجرة حزبية تنتهي إلى حشد القاعدة الجمهورية في دعم ترامب بشكل أكثر عصبية.
ولأن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون من غير المرجح أن يوفر أغلبية الثلثين اللازمة لإدانة ترامب وإزاحته من المنصب، فإنها تعتقد أن الديمقراطيين ينبغي لهم أن يكرسوا طاقاتهم لإلحاق الهزيمة به في انتخابات 2020.
ولابد أن يكون النصر الديمقراطي حاسما، كما قالت مؤخرا، وإلا فإن ترامب ربما يطعن في النتائج بل ويرفض حتى ترك منصبه وهو احتمال اكتسب رواجا في واشنطن. إن فشل الكونجرس في الوفاء بواجبه الدستوري ومحاسبة الرئيس بين الانتخابات يمكن أن يشكل سابقة بالغة الخطورة ويشجع سلوكيات أكثر استبدادا من جانب ترامب.
وحتى إذا استمر الجمهوريون في مجلس الشيوخ في حماية ترامب (في المناسبات الخاصة، يعتقد أغلبهم أنه خطير)، فإن الديمقراطيين في مجلس النواب لا يزال بإمكانهم أن يوضحوا أن سلوك الرئيس غير مقبول.
أصرت بيلوسي على أننا «لم نصل إلى هذا الحد بعد».ويبدو أن كلا من بيلوسي وترامب يماطل كسبا للوقت في مرحلة ما، سنكون أقرب إلى انتخابات 2020 من أن نتمكن من إطلاق عملية توجيه الاتهام والعزل. لكن الأحداث ربما ترغم بيلوسي.
الآن يحاول ترامب حماية نفسه ضد المزيد من الاستقصاء، ليس فقط في ما يتصل بمسألة روسيا بل وأيضا في ما يتعلق بممارساته التجارية (فهو أول رئيس منذ عقود من الزمن لا يفصح عن إقراره الضريبي)، وما إذا كانت تعاملاته الخاصة أثرت على سياسته الخارجية. «قضي الأمر»، هكذا أعلن ترامب، مصورا الديمقراطيين على أنهم مهووسون بالتحقيق في تصرفاته بدلا من الانصراف إلى القضايا التي تهم جماهير الناس وهو الاتهام الذي يخشاه كثيرون من الديمقراطيين. الآن، يعارض ترامب السماح للمسؤولين الحاليين، بل وحتى السابقين، بالإدلاء بشهاداتهم، كما تتجاهل إدارته مذكرات الاستدعاء إلى الكونجرس.
ولأنه على دراية بقوة التلفزيون، فقد خالف نفسه واتجه إلى معارضة ميولر في الكونجرس.
والواقع أن سلوكا مماثلا خدم كأساس لواحدة من مواد الاتهام الثلاث التي وجهت إلى الرئيس ريتشارد نيكسون. من ناحية أخرى، يترك ترامب الباب مفتوحا أمام روسيا لكي تهب لمساعدته مرة أخرى في انتخابات 2020. وقد عمل البيت الأبيض والجمهوريون في الكونجرس على تعطيل مشروع قانون لتأمين الانتخابات الأميركية ضد الهجمات الأجنبية.
كما صدرت التعليمات إلى المسؤولين في الإدارة بعدم إثارة مسألة التدخل الروسي مع الرئيس، خشية أن يلقي هذا بظلال من الشك على شرعيته. بدأت المرحلة التالية من هذه القضية تظهر في بؤرة التركيز بالفعل.
فالآن، أصبح بار، بمساعدة من زميل ترامب في الجولف ليندسي جراهام، الرئيس الجمهوري للجنة مجلس الشيوخ القضائية، مجندا في الترويج لتوهم الرئيس بأن تحقيق مولر كان أشبه بمطاردة الساحرات بتنظيم من أنصار هيلاري كلينتون من المنتمين إلى «الدولة العميقة». ومرة أخرى، سيكون عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الحاليين والسابقين مستهدفين، إما لأنهم أعربوا عن انتقادهم لترامب أو لأنهم فتحوا تحقيقا في قضية تتعلق بالأمن الوطني بشأن تدخل قوة معادية في الانتخابات الرئاسية الأميركية (والذي استمر إلى انتخابات التجديد النصفي في عام 2018).في تعليقه على تقرير مولر، قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي إن الروس يسعون إلى «تحسين أدائهم» لعام 2020. في ظل فساد مكتب وزير العدل وإذعان الحزب الجمهوري، يسعى ترامب المنتقم إلى وضع نفسه فوق القانون. والجولة التالية من سفك الدماء مقبلة، وسوف يطال الأذى أبرياء.

محررة مساهمة في صحيفة الجمهورية الجديدة ومؤلفة كتاب «صحيفة واشنطن: الإبلاغ عن ووترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».