لغة السوق اسمها العرض والطلب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٣/مايو/٢٠١٩ ١١:١٦ ص
لغة السوق اسمها العرض والطلب

على بن راشد المطاعني
ما زال مفهوم ثقافة العرض والطلب لدينا غير واضحة مفاهيمها ومصطلحاتها وإدارتها وأدواتها، وفي ظل عدم نضوج استيعاب عوامل السوق القائمة والمرتكزة على العرض والطلب فقد كانت هكذا منذ بدء الخليقة وستظل إلى قيام الساعة، وفي أي بقعة من المعمورة، وباعتبار أن هذه النظريات الاقتصادية العتيقة من البديهيات الحياتية والمترسخة منطقا وعقلا.
البعض وبعيدا عن هذه المسلمات يقارن ما بين الأسعار بين مكان وآخر، بين مطعم وفندق، وبين بقالة ومنتجع سياحي من فئة خمسة نجوم، وهكذا دواليك بدون وضع تلك الحقائق في الاعتبار، وبدون إلقاء نظرة موضوعية على المكان وتكلفته الاستثمارية والتشغيلية وقيمته المعنوية وغيرها من الجوانب التي تلعب دورا في تحديد الأسعار وآلياتها، الأمر الذي يتطلب أن نعي هذه الجوانب والتوعية بها، لأنها تخلق حالة من سؤ الفهم الذي ينتاب الكثيرين ويخلف ضبابية وسحبا من الارتياب والشك لدى شرائح واسعة من المجتمع.
إن الأسواق والسلع والبضائع والخدمات كلها وبدون استثناء تخضع لعوامل العرض والطلب وهي من النظريات الاقتصادية الأولية التي تدرس في الجامعات وتتجسد في الواقع على هيئة ممارسات حياتية وواقعية تختلف وفقا لمعطيات المعروض من المواد والخدمات ومستوى الإقبال عليها من عدمه، فكلما زاد العرض تقل الأسعار والعكس صحيح بالطبع، فمثلا في موسم الصيف السفر إلى أوروبا أو بعض الدول العربية والآسيوية يزيد الإقبال عليه، والنتيجة ارتفاع سعر التذاكر، في حين أنه وفي فصل الشتاء وفي بعض مناطق أوروبا على سبيل المثال تقل الأسعار إلى معدلات متدنية، وفي العاصمة مسقط تزيد أسعار الفنادق في فصل الشتاء، والعكس نجده في فصل الصيف، والأمر ينسحب حتى على أسعار النفط في الأسواق العالمية إذ تنخفض عندما يكون هناك عرضا كبيرا في الأسواق مقترنا بتراجع الطلب.
على الجانب الآخر هناك محطات وأمكنة لها مستوياتها العالية، فمن الطبيعي أن تختلف أسعارها وقيمة الأشياء فيها عن غيرها للعديد من المسببات التي تميز هذه الأمكنة عن غيرها، فسعر المشروبات الغازية أو العصائر أو القهوة في المقاهي العالمية والفنادق ذات الخمسة نجوم عالية مقارنة بالمقاهي العادية، ‏فالواقع يقول بأن لكل مكان ضريبته وتكلفته الرأسمالية والتشغيلية وهي التي تحدد السعر.
إن قوة المجتمع التضامنية والشرائية تعد من أهم العوامل التي تؤثر على آليات العرض والطلب، فالمجتمع يمكنه تخفيض الأسعار إن كان ارتفاعها مبالغا فيه، وذلك من خلال العزوف عن الشراء على سبيل المثال، وهناك من النماذج والتجارب ما يكفي لتوضيح مثل هذه الجوانب، لكن وبشكل عام يجب أن نؤمن بأن مبدأ العرض والطلب سيظل حاضرا في الأسواق ويعد أداة اقتصادية تعتمد عليها المؤسسات والشركات في إدارة مبيعاتها وسلعها وخدماتها.
بالطبع‏ هناك خدمات أساسية تحاول الحكومة حمايتها من سياسات السوق في العرض والطلب وحماية المستهلكين من خلال دعم أسعار السلع والخدمات كأحد الحقوق التي يتطلب مراعاتها، وبخلاف ذلك فهي خاضعة لأدوات الأسواق.
نأمل أن نعي قبل شيء ماهية العرض والطلب وأن نتكيف مع قوى الأسواق في الشراء والبيع، وكذلك نعي ضريبة المكان في تحديد مستويات أسعار الخدمات، فالقيمة المكانية لها ثمنها، ولا يمكن أن نقارنها بأماكن في قارعات الطرق والأرصفة فلكل خدمة وزنها ثمنها وقيمتها.