عندما يتعلق الأمر بالديون السيادية، كثيراً ما يساء فهم المصطلح «التخلف عن السداد». فهو يكاد لا ينطوي أبداً على التنصل الكامل والدائم من أصل الدين بالكامل، والواقع أن حتى بعض السندات الروسية في العهد القيصري سددت في نهاية المطاف (ولو جزئياً) بعد ثورة عام 1917. أما عدم السداد - «التخلف عن السداد» وفقاً لوكالات التصنيف الائتماني، عندما ينطوي الأمر على دائنين من القطاع الخاص - فإنه يستحث عادة الحديث حول إعادة هيكلة الديون، والتي قد تشمل تمديد تاريخ الاستحقاق، أو تخفيض قسائم السداد، أو فترات السماح، أو تخفيض القيمة الاسمية (ما يسمى «التقليم»).
وإذا كان لنا أن نسترشد بالتاريخ، فإن مثل هذه المحادثات ربما تتكرر كثيراً في عام 2016.
فمثله كمثل الكثير من مظاهر الاقتصاد العالمي الأخرى، يميل تراكم الديون والتخلف عن السداد إلى الحدوث في دورات. فمنذ عام 1800، تحمل الاقتصاد العالمي العديد من مثل هذه الدورات، مع خضوع حصة البلدان المستقلة إلى إعادة الهيكلة خلال أي سنة بما يتراوح بين صِفر إلى 50 %. وفي حين أن فترات الهدوء التي قد تدوم لعشر سنوات أو عشرين سنة في حالات التخلف عن سداد الديون ليست قليلة، فإن كل فترة هدوء تبعتها على نحو ثابت لا يتغير موجة جديدة من التخلف عن السداد.
وتشمل إحدى دورات التخلف عن سداد الديون أزمات الديون في الأسواق الناشئة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. وقد نجحت أغلب البلدان في حل مشاكل الديون الخارجية بحلول منتصف التسعينيات، بيد أن قسماً كبيراً من بلدان المجموعة الأقل دخلاً ظلت تواجه متأخرات مزمنة مع دائنين رسميين.
ومثلها كمثل التخلف الصريح عن السداد أو إعادة هيكلة الديون المستحقة لدائنين رسميين، فإن هذه المتأخرات كثيراً ما يطويها النسيان؛ ربما لأنها تشمل غالباً مدينين من ذوي الدخل المنخفض ومبالغ صغيرة نسبياً من الدولارات. ولكن هذا لا ينفي قدرتها في نهاية المطاف على المساعدة في حفز جولة جديدة من الأزمات، عندما تواجه الدول ذات السيادة، التي لم تتمكن قط من وضع يدها على الديون المستحقة لها، ظروفاً عالمية غير مواتية، على سبيل المثال.
والواقع أن الظروف الاقتصادية العالمية - مثل تقلبات أسعار السلع الأساسية والتغيرات في أسعار الفائدة لدى القوى الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين - تلعب دوراً رئيسياً في التعجيل باندلاع أزمات الديون السيادية. وكما يكشف عملي البحثي الحديث مع فينسينت راينهارت وكريستوف تريبيك، فإن قمم وقيعان دورات تدفقات رأس المال الدولية تشكل خطورة بشكل خاص، مع انتشار حالات التخلف عن السداد مع نهاية طفرات تدفقات رأس المال.
ومع بدء عام 2016، تلوح في الأفق علامات واضحة تشير إلى عواصف خطيرة من الدين والتخلف عن السداد. وبوسعنا أن نرى بالفعل أولى الموجات المزبدة.
بالنسبة لبعض الدول ذات السيادة، تنبع المشكلة الرئيسية من ديناميكيات الدين الداخلي. ومن المؤكد أن موقف أوكرانيا محفوف بالمخاطر، وإن كان من الأفضل في ضوء محركاتها الفريدة ألا نستخلص من مسارها استنتاجات أوسع.
وتكمن بعض أكبر المخاطر في الاقتصادات الناشئة، التي تعاني في المقام الأول من تغير جذري في البيئة الاقتصادية. فأثناء طفرة البنية الأساسية في الصين، كانت الصين تستورد كميات ضخمة من السلع الأساسية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها، وبالتالي نمو صادرات السلع الأساسية على مستوى العالم، بما في ذلك اقتصادات ناشئة ضخمة مثل البرازيل. أضف إلى هذا، زيادة الإقراض من الصين وتدفقات رأس المال الضخمة التي كانت مدفوعة بأسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة، وأدى كل هذا إلى ازدهار الاقتصادات الناشئة. صحيح أن الأزمة الاقتصادية العالمية في الفترة 2008-2009 عطلت هذا النمو السريع ولكنها لم توقف مسيرته، وتمتعت الاقتصادات الناشئة بعقد كامل خالٍ من الأزمات على غير العادة حتى أوائل عام 2013.
ولكن القرار الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادة أسعار الفائدة، جنباً إلى جنب مع تباطؤ النمو (وبالتالي الاستثمار) في الصين وانهيار أسعار النفط والسلع الأساسية، كل هذا تسبب في توقف طفرة تدفق رأس المال. ومؤخراً، سجلت عملات العديد من الأسواق الناشئة هبوطاً حاداً، الأمر الذي أدى إلى زيادة تكلفة خدمة الديون الخارجية المقومة بالدولار. كما انحدرت عائدات التصدير والقطاع العام، فأفسح ذلك المجال لاتساع العجز المالي وعجز الحساب الجاري. وتباطأ النمو والاستثمار في مختلف المجالات تقريباً.
من منظور تاريخي، يبدو الأمر وكأن الاقتصادات الناشئة تتجه نحو أزمة كبرى. وبطبيعة الحال، ربما تثبت كونها أكثر مرونة وقدرة على الصمود من أسلافها. ولكن لا ينبغي لنا أن نعول على ذلك.
أستاذ النظام المالي الدولي في كلية كينيدي لعلوم الإدارة الحكومية في جامعة هارفارد.