«وأما بنعمة ربك فحدّث»

مؤشر الثلاثاء ١٢/يناير/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
«وأما بنعمة ربك فحدّث»

على الرغم من أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة انخفاض الإيرادات النفطية في الموازنة العامة للدولة تعد بسيطة وعادية إلا أنها لم تمس إلا أشياء يمكن القول عنها إنها كمالية وليست أساسية ولن تحدث أي تغيّر في مصاريف الفرد والمجتمع، إلا أنه للأسف، الكل يئن من صوب فلا شاكر للنعمة التي فيها، ولا ينظر لغيره الأقل منه في الخير ليقول بملء فمه الحمد لله على نعماك، للأسف، فلا مواطنا يشكر ربه على أن الأمور وصلت إلى هذا المستوى من مراعاة الحكومة في الرسوم والضرائب، ولا القطاع الخاص يرفع يده إلى السماء يبتهل للمولى عز وجل ويحمده على الرأفة التي هو فيها، بل حتى الوافدين تم تلقينهم بعض العبارات التي تعكس صورة سلبية عن الإجراءات الحكومية التي اتخذت لمعالجة الأزمة التي نحن فيها، الأمر الذي يدعو للاستغراب ويطرح تساؤلات عديدة حول هذا التعاطي غير المسؤول مع هذه المتغيرات والسلبية التي نحن بها وإلى متى سنظل ندور في فلك التفكير السلبي دون النظر إلى هذه التحديات بأنها فرص ونتكيف معها، والعمل على تجاوزها بدون نحيب الوات ساب وبكاء توتير والفيس بوك.

فعلى الرغم من أن الإجراءات لم تبدأ في التطبيق، وبعضها ليس عاما ولا يمس الكثير منا، إلا أن نذير الشؤم يسيطر على الأوساط من خلال ما يتم تناقله من تعليقات غير إيجابية ومستفزة للغاية وتتفنن في إلقاء اللوم والمساءلة، وتعيدنا للمربع الأول دون أن تلتفت إلى ما أخذته من الدولة طوال السنوات الماضية من خدمات ومزايا قلّما توجد في الكثير من الدول، والآن عندما يُعاد النظر في الكثير من الرسوم وبرفق لا متناهٍ ومراعاة غير عادية، نسمع أصواتًا تتنكر لكل ما تحقق في هذا الوطن، ونشاهد جحوداً يخرج من الأفواه سموماً تنم عن النكران لما تحقق من عمل وطني جبار قلّ أن يحدث في دولة انطلقت من الصفر. وللأسف نتكلم كثيرا ونستهلك وقتا أطول في مناقشات وحوارات على الوات ساب وندور في حلقة مفرغة حول الكثير من المسائل الجدالية ونضرب أخماسا في أسداس، لم نتساءل بيننا وبين أنفسنا ‏كم سينقص من رواتبنا، وكم سنساهم في هذا الجهد الوطني الذي يسابق الزمن لتوفير الجوانب الأساسية للدولة والمواطنين في شتى المناحي، بل لا ندع الآخرين يعملون تحت ضغوط غير عادية لتوفير ما يمكن توفيره من أموال وموارد لسد عجز هنا، وتوفير مرتبات هناك والدفع لمشاريع في هذه المحافظة أو تلك، وتسديد فواتير وهكذا دواليك، في حين تلوك الألسنة ليل نهار هذه الإجراءات وتصفها بشتى النعوت والتعليقات المسيئة والمخجلة أن تكون تعليقات، في حين نحن لا نستطيع إدارة أسرة أو شركة تتكون من خمسة أفراد وتوفير مستلزماتهم، وشطارتنا في الكلام أكثر من الأفعال وسنظل هكذا على ما يبدو. إن النعمة المتحققة في هذا الوطن تحتاج إلى شكر حتى لا تزول كغيرنا من الأمم والشعوب التي ابتليت ولم تشكر الله، وقد أمرنا الله تعالى بشكر النعمة فقال سبحانه: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» وقال تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» وقوله تعالى «وقليل من عبادي الشكور» فالشكر لله وحده على ما نحن فيه من نعم الأمن والأمان وما نرفل فيه من خيرات تحتاج إلى عقول تزن الأمور بموازين الحكمة وألسنة تلهج بالشكر والثناء الجميل، ونفوس تخفق بأننا في خير عميم.

إذا كانت هذه الأزمة البسيطة والإجراءات العادية جدا حركت كل هذه البواعث والخبائث فينا، ‏فماذا يمكن أن نعمل عندما نكون بدون موارد ولا نفط ولا غاز ولا غيرها من المعادن مثل الكثير من الدول، كيف يمكن أن نتصرف؟ وماذا يمكن أن نعمل؟ ربما نأكل بعضنا بعضا للأسف.
فالإنسان دائما تواق للخير ويقدم التفاؤل على التشاؤم والعبوس في وجه النعمة، والعمل والتغلب على مصاعب الحياة حتى لا نكون انهزاميين إلى هذه الدرجة التي نلحظها لدى البعض.
نأمل أن نشكر النعمة ونتوجه للمولى عز وجل بأن يُديمها على البلاد والعباد ويمدّ في عمر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله.