تفاؤل صندوق النقد الدولي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/أبريل/٢٠١٩ ١٢:١٩ م
تفاؤل صندوق النقد الدولي

أشوكا مودي
في أبريل من عام 2018، توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد العالمي بقوة وبنسبة تتجاوز 3.9% في ذلك العام وفي أوائل عام 2019. كعادته دائما، ألقى الصندوق اللوم في ذلك النمو الأقل من المتوقع على عوامل مؤقتة، كان آخرها التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وما يحيط بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي من غموض وشكوك.
من ثم كانت الرسالة أن النمو سيعاود الصعود إلى 3.6% العام القادم، وهي توقعات تعني، وفقا لما ذكره البنك الألماني (دويتشه بنك)، أن الدول التي ستواجه ركودا في عام 2020 ستكون أقل من أي وقت مضى في العقود الأخيرة.
سيكون النمو العالمي هذا العام أقرب إلى 3%، مع تنامي التوترات المالية في أوروبا.
ويرجع سبب استمرار التوقعات الخاطئة لصندوق النقد إلى افتقاده النظر إلى الصورة الكبرى ككل، إذ تمر الدول المتقدمة اقتصاديا التي لا تزال تنتج نحو ثلاثة أخماس الناتج العالمي بتباطؤ طويل الأجل منذ عام 1970 تقريبا.
وسبب ذلك، كما يقول روبرت جوردن الأستاذ في جامعة نورث وسترن، تدني إمكانيات النمو لتلك الاقتصادات الغنية بفعل التباطؤ المتزايد باستمرار في نمو الإنتاجية رغم التقنيات الحديثة الواعدة.
نتيجة لذلك، برزت الصين لتؤدي دورا مهيمنا في تحديد وتيرة النمو العالمي.
ففضلا عن الحجم الضخم الذي يتميز به الاقتصاد الصيني، يتمتع هذا الاقتصاد بروابط تجارية واسعة ومكثفة تنقل نموه إلى بقية العالم.
فعندما تشهد الصين نموا، تمتص واردات من الدول الأخرى، مما يعطي الاقتصاد العالمي انتعاشة كبرى.
وهذا ما حدث بين عامي 2004 و2006، وبين عامي 2009 و2010، وفي عام 2017، عندما أسهم النمو الصيني المتسارع في تنشيط الاقتصاد العالمي.
لكن كان لزاما أن تهبط معدلات النمو الصيني التي كانت مندفعة بقوة في فترة من الفترات، بعد أن أصبحت الصين أغنى من ذي قبل.
ووفقا للمعايير التاريخية، فإن اقتصادا بهذه الدرجة من الغنى التي يتمتع بها اقتصاد الصين اليوم ينبغى أن يتراوح معدل نموه بين ثلاثة إلى خمسة بالمئة في العام، بدلا من نسبة الستة بالمئة أو أكثر التي تحاول السلطات الصينية تحقيقها من خلال محفزات مالية وائتمانية.
في عام 2017، انتشرت في أنحاء العالم المحفزات التي اشتملت السياسات الصينية، مما أدى إلى الاحتفاء ب»طفرة متزامنة»، كانت أوروبا، التي تعتمد بدرجة كبيرة على التجارة، المستفيد الأكبر منها.
وسرعان ما اهتزت أوروبا بفعل ضعف اقتصادي أصابها، لتدخل إيطاليا في ركود رسمي، وتجد ألمانيا نفسها على أعتابه.(الغريب هنا أن الاقتصاد البريطاني، رغم كل مشاكله المتعلقة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، يؤدي أداء أفضل قليلا من اقتصاد هاتين الدولتين)
أما بالنسبة للاقتصاد العالمي، تتمثل المشكلة المزمنة في الطبيعة قصيرة الأجل التي تتسم بها المحفزات الصينية.
وعندما تجد السلطات الصينية وبقية العالم نفسها بين خياريّ الأزمة المالية أو النمو الأبطأ، فستفضل مجددا النمو الأبطأ. وعليه ربما عاد التباطؤ الصيني في الأشهر القادمة، ليُخمد النمو العالمي مجددا.
ولا توجد حاليا دولة في وضع يؤهلها لتبوء مكان الصين.
ومما يزيد من قتامة توقعات المستقبل العالمي، انتهاء «النشوة ودفعة النشاط المؤقتة» التي كان يمر بها الاقتصاد الأميركي بفضل التحفيز المالي واستعادة أموال الشركات من الخارج. إضافة إلى ذلك، قد لا يعكس التباطؤ الذي شهدته ألمانيا عام 2018 وأوائل العام 2019 حساسيتها لبطء التجارة العالمية وتأثرها به.
فربما كان اقتصادها يهبط أخيرا من مركزه العالي مع الصعاب التي تجابهها صناعة السيارات القائمة على محركات الديزل بألمانيا، والتي كانت مصدر فخر لها، للوفاء بمعايير خفض التلوث ومواجهة المنافسة من جانب السيارات الكهربائية.
إن صندوق النقد العازف دائما عن قرع أجراس الإنذار بشأن حالة الاقتصاد العالمي ليس لديه أي استعداد لمقاومة مشاعر التفاؤل التي سادت مؤخرا.
لكن قد يكون لهذا التغاضي ثمن غال في ظل التردي المتوقع للظروف الاقتصادية.

رئيس بعثة سابقة لألمانيا وايرلندا في صندوق النقد الدولي