بنية الثورة الدبلوماسية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/أبريل/٢٠١٩ ١٢:١٦ م
بنية الثورة الدبلوماسية

ريتشارد هاس
لقد مضت 60 سنة تقريبا منذ ان كتب الفيلسوف والمؤرخ توماس كون كتابه المؤثر «بنية الثورات العلمية «.لقد كانت نظرية كون بسيطة وان كانت راديكالية وهي ان الاختراقات العلمية لا تحصل من خلال التراكم التدريجي للتغيرات البسيطة في التفكير الحالي ولكن من خلال الظهور المفاجىء لافكار راديكالية تتسبب في استبدال النماذج الحالية بشيء مختلف تماما وكما حصل عندما قرر علماء الفلك ان الارض تدور حول الشمس وليس العكس فإن هذه التحولات المتعلقة بالنموذج تؤدي الى بروز نموذج جديد تماما يصبح الاساس لدراسة علمية «طبيعية» والتجريب حتى يتم استبداله هو ايضا.
لقد ذكرت كون لإن ارتباط فكرته بالعلوم الاجتماعية بشبه ارتباطها بالعلوم الطبيعية ومن الامثلة على ذلك هو الشرق الاوسط المعاصر حيث ساد النموذج الحالي بين اسرائيل وجيرانها لاكثر من نصف قرن.
ان كل شيء تقريبا تم ذكره او كتابته عن القضية يعكس نتيجة حرب الأيام الستة في يونيو من سنة 1967 والتي ادت الى سيطرة اسرائيل على المناطق التي كانت تعود ملكيتها سابقا للاردن (القدس الشرقية والضفة الغربية) ومصر (شبه جزيرة سيناء وغزه) وسوريا (مرتفعات الجولان) ومنذ ذلك الحين فإن النموذج الدبلوماسي «الطبيعي» (المنصوص عليه في قرار مجلس الامن 242 والقرارات اللاحقة) كان يفترض ان اسرائيل سوف تستبدل تلك الاراضي بالامن والسلام.
ولفترة من الوقت كان يبدو ان هذا هو النموذج الصحيح فاسرائيل اعادت سيناء الى مصر مما سمح للبلدين بالتوقيع على معاهدة سلام والتي استمرت حتى يومنا هذا وبعد ذلك بسنوات حصل تطبيع بالعلاقات بين اسرائيل والاردن ولقد كانت المفاوضات بين سوريا واسرائيل على وشك النجاح ولكنها فشلت في النهاية وهذا يعود الى حد كبير الى عدم رغبة الرئيس السوري حافظ الاسد (والد الرئيس الحالي بشار الاسد) بالتوقيع على التسوية.
لم يعد بالامكان تخيل محادثات سلام ناهيك عن اتفاقيات بين حكومة الاسد وحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بينامين نتنياهو ولقد ضمت الحكومة الاسرائيلية مرتفعات الجولان منذ فترة طويلة واليوم تعتمد حكومة الاسد بشكل متزايد على العدو اللدود لاسرائيل ايران من اجل بقاءها وعوضا عن المفاوضات، نرى اسرائيل وهي تهاجم القوات والمعدات الايرانية على الارض السورية.
ان من الصعب كذلك تخيل حصول تقدم دبلوماسي بين اسرائيل والفلسطينيين علما أنه لم يكن الوضع كذلك دائما فالمفاوضات اقتربت في مناسبات عدة من تأسيس دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل بموجب بنود يمكن ان يقبلها الطرفان ولكن في اللحظة الاخيرة تراجع القادة الفلسطينيون خوفا من ان الموافقة على اي شيء اقل من مطالبتهم التاريخية في فلسطين سيجعلهم ضعفاء سياسيا امام المتشددين والذين اعتقدوا ان التسوية لم تكن ضرورية لإن الوقت والرأي العام العالمي الى جانب الفلسطينيين.
لقد كان ذلك خطئا تاريخيا فالذي تم عرضه في الماضي لم يعد قائما.
لقد تحولت السياسة الاسرائيلية بشكل حاسم لليمين وازدادت المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية بشكل دراماتيكي سواء في الحجم او في عدد السكان ولقد وعد نتنياهو بشكل واضح خلال حملته الانتخابية الاخيرة ببدء ضم الضفة الغربية والرئيس الامريكي دونالد ترامب والذي نقلت ادارته السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس وتخلت عن سياسة امريكية مستمرة من 40 سنة تقريبا من خلال اعترافها بسلطة اسرائيل على مرتفعات الجولان يمكن ان يدعم المزيد من اجراءات الضم الاسرائيلية.ان الكثير من دول العالم قد اصابها التعب من هذا الصراع فهناك بضع حكومات عربية والتي تشعر بالقلق من ايران او التهديدات الداخلية اكثر من اسرائيل مستعدة للعمل مع اسرائيل سرا وفي بعض الحالات علنا.
ان الانقسامات ضمن القيادة الفلسطنية تؤدي الى تفاقم الخلافات الحالية عن ما الذي تطلبه من اسرائيل وما الذي يمكن قبوله.
ان من الممكن ان تكشف ادارة ترامب عن مبادرة للسلام ضمن هذا السياق ولكن من غير المرجح ان يتعامل اقتراحها مع القضايا السياسية وتلك المتعلقة بالاراضي واللاجئين والتي تعتبر اساسية لانشاء دولة فلسطينية.
ان من المرجح ان تركز خطة ترامب على تقديم حوافز اقتصادية للفلسطينيين ضمن جهود لتشجعيهم على التسوية.
إن من غير المرجح ان تحقق تلك الخطة النجاح.
إن المستقبل الاكثر احتمالا هو الانجراف نحو المجهول حيث سيبقى لدى الفلسطينيين حكم ذاتي محدود في اجزاء من الضفة الغربية وغزه وفي لحظة ما (ولقد اقتربت تلك اللحظة، ان لم تكن قد حانت بالفعل) فإن امكانية اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ستنتهي.
إن كل هذا يشكل خطرا على اسرائيل كذلك فهناك توترات لا يمكن حلها بين بقاء اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية لو استمرت بالسيطرة السياسية على ملايين الفلسطينيين الذين لا يعتبرون مواطنين اسرائيليين.
ان تجنب هذا الخيار والاحتفاظ بالوضع القائم سيحبط الفلسطينيين ويزيد من عزلة اسرائيل في المنطقة والعالم (وخاصة اذا حصل الضم)
أن البعض سيجادلون ان هذا التقييم فيه الكثير من التشاؤم وانا آمل ان يكونوا محقين ولكن حتى لو كانوا محقين فإن فوائد احراز تقدم بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن تنتشر.
ان الاعتقاد المرتبط بشكل وثيق بنموذج الارض مقابل السلام هو انه عندما يحصل السلام بين اسرائيل وجيرانها العرب فإن التسوية الاسرائيلية –الفلسطينية ستمكن المنطقة من الازدهار ولكن حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لن ينهي الحرب الاهلية في سوريا او الذبح في اليمن أو يحد من الطموحات النووية الايرانية أو يكبح جماح بعض القادة العرب أو يخفف من القمع والفساد المنتشرين في جميع ارجاء المنطقة.
اذن حتى لو انتهى الصراع الاسرائيلي الفلسطيني فإن مشاكل الشرق الاوسط لن تنتهي وليس هناك سبب يدعونا لتوقع انتهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.
لقد حان الوقت لوجود تحول في النموذج المتعلق بطريقة تفكيرنا عن الشرق الاوسط والسبب وراء ذلك هو ليس وجود نموذج دبلوماسي افضل بل لإن النموذج الحالي يتعارض بشكل متزايد مع الواقع.

رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، شغل سابقا منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية (2003-2001)، وكان مبعوث الرئيس جورج دبليو بوش الخاص في ايرلندا الشمالية.