مراكز تجارية تخنق المدن

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٣/أبريل/٢٠١٩ ١٢:٠٤ م
مراكز تجارية تخنق المدن

محمد الراسبي
المجمعات التجارية أحد الوجهات التي يقصدها الناس لقضاء ساعة أو ساعات سواء للتسوق أو الترفيه، حيث إن النسبة العظمى منهم يستخدمون سياراتهم الخاصة للوصول إلى هذه المجمعات التجارية ولكن عندما تكون تلك الساعات المرسومة مقضومة الوقت فتجتزها زحمة الشارع قبل بلوغ المكان الذي أريد الوصول إليه، إن ذلك بحد ذاته سلبية لا يختلف عليها اثنان والجميع ينتقدها.
في مثل هذا الحال نجد نماذج لما ذكر أعلاه في السنوات الثلاث الأخيرة وذلك بانتشار المراكز التجارية في محافظة مسقط في أماكن غير مناسبة ولا مهيأة أصلا كمواقع لإنشاء مثل تلك (المولات) التي تضم مئات المحلات والتي بنت في دراستها على استقطاب مئات بل آلاف الزوار، فضلا عن أيام الإجازات والتي يتوافد إليها الكل من كل حدب وصوب، مما يدعو للقلق فيما يخطط له والذي يؤرق مضاجع الساكنين في تلك الأماكن والمستفيدين الأصليين من خدمات الطرق التي خصصت أصلا على مقياس تلك المناطق السكنية -ليس أكثر-.
الأحياء السكنية والشوارع ذات الطاقة الاستيعابية المحدودة أصبحت تضج بالمولات التجارية فتجدها (أي المولات) متوسطة الأحياء وبين المدارس حيث إن من له قطعة أرض ذات مساحة حولها إلى مركز تجاري، وعند إعطاء الرخصة للأسف لا تراعى حرمات الساكنين ومساراتهم مما يثير ربكة حقيقية خاصة في فترة ذروة التسوق فتجد الذي اختار مسكنه لكي يرتاح فيه فقد الميزة الذي اختارها من أجلها. البناء في ذات الكثافة السكانية ليس ميزة بقدر ما هو عرقلة، وليس كل من لديه أرضا شاسعة يجب أن يتم استغلالها في بناء ما يرغب عندما لا يخدم الهدف على أكمل وجه.
كثير من الدول تعمد أن تكون كبرى المراكز التجارية (المولات) يتم بناؤها على الطرقات السريعة حيث يسهل الوصول إليها من أكثر من نقطة أو تبنى في منطقة تجارية خالصة ليس لها علاقة بالأحياء السكنية ولا تتخلها البتة حيث إن من يقصدها يعرف وجهته، والأكيد أن مثل هذه النقاط -أي المولات- يتم الوصول إليها بسرعة وسلاسة وكذلك الخروج منها وذلك بربطها بالخطوط السريعة مباشرة بها.
إن نجاح مثل تلك المجمعات وكسبها ماديا ليس معناه نجاحا كليا لأنه أصبحت له تأثيرات سلبية في الجهة المقابلة على الآخرين وأصبح الفرد أو المؤسسة مصلحتها فوق المجتمع وأصبح الساكن والمار محاصرا.
من البديهي والمفروض والصحيح أنه في حالة أن أي موقع لا يتناسب أو يتعارض مع الشروط المعمول بها، حينها لا يتوجب أن تعطى التراخيص وإن أعطيت التراخيص -متجاوزين الشروط- كما يحدث في كثير من الحالات، في هذه الحالة لا بدَّ أن يسبقها تطوير وتحسين المداخل والطرق وألا تكون سلبية التأثير بأي شكل من الأشكال على المحيط البشري ومراعاة التراكمات المرورية والزيادة السكانية المستقبلية والتي بطبيعتها تحتاج إلى متنفسات وليس اختناقات، وخاصة إذا كانت تلك المنطقة مأهولة أصلا ولا تحتمل ما يزيدها عبأ على عبئها.
لا بُدَّ أن تكون هناك خطط واضحة مسبقا بأن يكون المبنى التجاري وحجمه وسعته على حسب المكان الذي ينشأ فيه وليس عشوائيا دون مراعاة، أي بمعنى ألا يمكن أن يكون هناك مركز تجاري يفوق نشاطه أو حجمه حجم وطاقة المنطقة ذاتها لمحدودية شوارعها ومداخلها، لأنه كلما زاد نشاط ومساحات تلك المولات زاد روادها وكلما زاد روادها ينتج عنه زحمة واختناقات مرورية غير متوقعه لا تخدم القاطنين في تلك الأحياء ولا تخدم حتى نفس تلك المراكز نتيجة لتلك الزحمة التي أوجدتها هذه المجمعات مما يخلف تراكمات مرورية يصل مداها الكيلومترات بما يعبر فعليا عن عدم نجاح اختيار المواقع المناسبة.
إذن التخطيط في المستقبل لمواقع أفضل لتلك المراكز وسهولة الوصول إليها هي شروط مثالية لبنائها، حيث يجب أن تنشأ في المكان المناسب والمساحة المناسبة حسب الدراسات والشروط المعتمدة -إذا كان فعلا توجد دراسات- وأن تبعد المصالح التي لا تخدم المصالح العامة.