إسرائيل و الديمقراطية غير الليبرالية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/أبريل/٢٠١٩ ١٠:٤٥ ص
إسرائيل و الديمقراطية غير الليبرالية

شلومو بن عامي

إنه بيبي مرة أخرى. بعد أن تحالف دون أي مبرر أو عذر مع حزب يهودي عنصري متغطرس، نجح بنيامين نتنياهو في تأمين فترة ولاية رابعة على التوالي رئيسا لوزراء إسرائيل. يقول اتحاد أحزاب اليمين إن نتنياهو وعده بوزارة التعليم ووزارة العدل، ومن نحن لكي نشكك في هذا؟ إلى جانب حلفاء نتنياهو الآخرين من جناح اليمين، يدعم اتحاد أحزاب اليمين بالفعل قانونا جديدا يقضي بحماية رئيس الوزراء من توجيه الاتهام إليه في تهم فساد معلقة.

عززت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل وضعها ضمن كتلة متنامية من الديمقراطيات غير الليبرالية في مختلف أنحاء العالم. ومرة أخرى، فاز نتنياهو من خلال حشد الناس ضد ذات مؤسسات الدولة التي يفترض أن يدعمها ويدافع عنها. في هذه الدورة الانتخابية، انتقد نتنياهو بكل عنف، وبلا أي خجل، السلطة القضائية وجهاز الشرطة لأدائهما لوظائفهما. وهاجَم وسائل الإعلام لأنها كشفت عن سلوك غير لائق من قِبَل أفراد أسرته وأصدقائه المقربين. كما وبخ المفكرين الشعبيين والمثقفين لأنهم رفضوا الاعتراف بعظمته. ولم يتورع عن وصف أتباع «اليسار» الصهيوني القديم بأنهم خونة.

أما عن الأحزاب العربية، فقد خسرت نحو 25% من مقاعدها، وهو ما يرجع جزئيا إلى امتناع الناخبين عن التصويت. فمع تمرير نتنياهو لما يسمى «قانون الدولة القومية» الذي أعلن أن السعي إلى «تقرير المصير الوطني» في إسرائيل «حق مقصور على الشعب اليهودي»، يبدو من الواضح أن المواطنين العرب في إسرائيل لم يعد بوسعهم إضفاء المصداقية على هذه الديمقراطية الزائفة. على مدار الحملة، لاقى الناخبون العرب معاملة المجذومين سياسيا من قِبَل كل شرائح الجسد السياسي في إسرائيل عمليا.
وانكشف اليسار الإسرائيلي على وجه الخصوص كمشروع سياسي مفلس. والواقع أن إسرائيل نتنياهو تأرجحت إلى أقصى اليمين، حتى أن مصطلح «يساري» ذاته تحول إلى سُبة أو وصف للاستهزاء. حتى أن المتحديين الرئيسيين لحزبه، تحالف الأزرق والأبيض الوسطي، وحزب العمل، تهربا من هذا المسمى. ولم يفتقر كل من الحزبين للشجاعة اللازمة للتصدي لمحاولات نتنياهو تشويه العرب الإسرائيليين بوصفهم أعداء الدولة فحسب، بل رفض كل منهما مجرد التفكير في تشكيل تحالف برلماني مع أحزاب عربية. وفي ما يتصل بالقضية العربية، انضم الصهاينة الليبراليون إلى مشروع نتنياهو الذي يسعى إلى جعل إسرائيل دولة وحيدة العِرق يحكمها حزب واحد.
في مجمل الأمر، ترقى الانتخابات الأخيرة إلى إدانة هائلة لديمقراطية إسرائيل. ففي حملة هيمن عليها تشويه السمعة الشخصية والتضليل، لم تخضع قضية واحدة جوهرية لمناقشة جدية. وكان الأمر كما لو أن العواقب المترتبة على سياسات نتنياهو النيوليبرالية القاسية ــ إضعاف دولة الرفاهة والتضييق على الطبقة المتوسطة ــ لا تهم على الإطلاق. ولم نشهد أي مناقشة حول اعتماد المجتمع الأرثوذكسي غير المنتج على إعانات الدعم الحكومية، التي تنامت بشكل كبير في عهد نتنياهو.
ثم هناك المشكلة الضخمة الواضحة التي يتغافل عنها الجميع: المسألة الفلسطينية. انطلاقا من خوفهم من خسارة أصوات المحافظين، امتنعت أحزاب الوسط واليسار عن الإدلاء بتصريح واحد مقنع ــ ناهيك عن تقديم برنامج سياسي ــ في التصدي للتحدي الوجودي والأخلاقي الأعظم الذي يواجه إسرائيل. صحيح أن المرشحين من اليسار أظهروا اهتماما شفهيا زائفا بالمشكلة، كما تمتم بيني جانتز، زعيم تحالف الأزرق والأبيض الباهت الثقيل الظل، ببعض كلمات حول الحاجة إلى «تحرك دبلوماسي» في ما يتعلق بالأراضي المحتلة، لكن هذا كان كل شيء.
من ناحية أخرى، لم ينبس جانتس وأولئك على اليسار ببنت شفة تقريبا عندما تباهى نتنياهو بأنه قادر على جعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعطي الضوء الأخضر لضم إسرائيلي جزئي للضفة الغربية. والتزموا الصمت بنفس القدر عندما نسب نتنياهو الفضل إلى نفسه في اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.
الواقع أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية كانت تشكل قضية أساسية أخرى مرت بلا أي ذِكر تقريبا في الحملة الانتخابية. وليس المهم في الأمر أن تحالف نتنياهو مع ترامب والإنجيليين الأميركيين كلف إسرائيل دعم شريحة متنامية من مؤسسة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، أو أن الشيك الذي وقعه نتنياهو على بياض للمجتمع الأرثوذكسي الإسرائيلي كان سببا في تنفير الجالية اليهودية الليبرالية غالبا في أميركا. فبعد أن حَـذَّر بيتو أورورك، المتنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في انتخابات 2020، من أن نتنياهو «عنصري» يلحق الضرر الشديد بالتحالف الأميركي الخاص مع إسرائيل، ما كان من الإسرائيليين إلا أن استجابوا بتوسيع وتمديد هذه القبضة العنصرية على السلطة. على مدار الحملة الانتخابية، روج نتنياهو لسجله في السياسة الخارجية. فبالإضافة إلى التودد إلى الحكومات غير الليبرالية في أوروبا الشرقية والرئيس اليميني الجديد في البرازيل، يائير بولسونارو، يدّعي نتنياهو أنه عمل على تعزيز نفوذ إسرائيل الاقتصادي في آسيا، وحقق اختراقات دبلوماسية في أفريقيا، وأنشأ شراكات سرية مع الدول العربية المجاورة، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وهنا أيضا، أسقط خصوم نتنياهو الكرة. فكان بوسعهم أن يشيروا إلى أن هدفه في التوسط في إنشاء شراكات جديدة هو تجنب المعارضة الدولية لمخططه الرامي إلى ضم الأراضي الفلسطينية. وبدلا من استخدام علاقات إسرائيل الدبلوماسية للعمل نحو التوصل إلى حل مقبول للتحدي الأساسي الذي يهدد وجودها، استغل هذه العلاقات لتحقيق أجندته الشوفينية.
من المحزن أن الانتخابات لا تترك أي مجال للشك حول ما ينتظر إسرائيل في السنوات المقبلة. فمن الواضح أن عصبة متآمرة من محاسيب نتنياهو وأفراد أسرته، والمستوطنين المتعصبين العنصريين، والأحزاب الأرثوذكسية ذات المخططات الانتهازية لاستغلال ميزانية الدولة، لن تتورع عن جر إسرائيل إلى واقع الدولة المنفردة الجديدة التي ستكون مماثلة لدولة الفصل العنصري السابقة في جنوب أفريقيا.
إن كان هناك أي عزاء في كل هذا، فهو أن أحزاب اليسار والوسط في إسرائيل ــ من ميرتس والعمل إلى الأحزاب العربية وتحالف الأزق والأبيض ــ لا تزال تمثل ما يقرب من نصف الناخبين. ومن الممكن أن تكون الغَلَبة لزعيم جريء قادر على القتال من أجل روح إسرائيل، لكن هذا لن يتسنى إلا من خلال التحالف بلا أي تردد مع العرب الإسرائيليين. هذه ليست الاستراتيجية الانتخابية الأفضل فحسب، بل هي أيضا التصرف الوحيد الصائب.

وزير خارجية إسرائيل الأسبق، ونائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام حاليا، ومؤلف كتاب «ندوب الحرب وجراح السلام: المأساة الإسرائيلية العربية».