أغنيات وطنية.. ليست بحجم وطن

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٨/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٣٧ ص
أغنيات وطنية.. ليست بحجم وطن

محمد بن سيف الرحبي
malrahby
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

عندما كان صوت سميرة توفيق يأتينا في السبعينيات بأغنية «يا عمان الحبيبة» كنا نعيش مرحلة البلاد التي تكتشف نفسها من جديد، وكانت المطربة البدوية الحسناء تطل من شاشة صغيرة لم تعرف الألوان بعد، ومن أثير راديو حيث تسكن الأغنية الوطنية آذانا لم تعتد اقتران الشعر بالموسيقى، فيما كان صوت سميرة توفيق يطل علينا شعرا وموسيقى وعذوبة.

كانت الكلمات بسيطة، لا نعرف من كتبها، ولا من لحّنها، يكفينا، كان، ذلك التموسق في الصوت العـــذب وهـــو ينطق اسم بلادنا، الحبيبة، «اسم أول.. ربنا نعتزي به، اســم ثاني.. حبنا للحبيبة».. فتعبر مشاعرنا الوطنية نخيلا وجبالا وأودية.
لم تكن وحدها سميرة توفيق تتقاسم معنا اكتشافنا للمفردات الجديدة التي بدأت طفولتنا بمعرفتها متلاحقة، كان هناك صوت آخر يرجف، صلبا كالجبال التي تحيط بنا حارسة ومانعة، كان فهد بلان يغني «جيش عمان المغوار» فتغني معه قلوب ونخيل وأودية، كأنما نرى في صوته حرب ظفار حيث «جيش عمان المغوار/‏ واقف على حدود النار/‏ ببسالة وعزم وإصرار/‏ سيحطم كل الأسوار».. ويعلو صوته الفخم بكلمة جيش عمااااان.. مكررا ويتبعها بـ «جيش الشجعان».
تمضي الذاكرة في محاولة استعادة أغنيات تلك الأيام، كلمات تغزلت بوطن، أصوات عرفناها من بعيد، فتكون بيننا تصدح بمحبة وطننا، هناك صوت نجاة الصغيرة أيضا، صوت إنساني جميل من زمن العمالقة..
تستعيد الذاكرة صوت ماجدة الرومي، أحمد الجميري، وعشرات الأصوات الآتية لتغنّي معنا فرحتنا بكل عيد وطني..
الأصوات العمانية حضرت في تلك المرحلة بأسماء أعرقها الراحل سالم بن راشد الصوري، وأقواها الراحل عبدالله الصفراوي، وأغزرها الفنان مسلم علي عبدالكريم، وأسماء أخرى أثثت مشهدا غنائيا تكامل مع عذوبة الأصوات العربية في الغناء الوطني الأعذب.
هل اختفت الأغنية الوطنية بعد ذلك الجيل مع أن هناك أصواتاً كثيرة تتالت: محمد المخيني، سالم علي سعيد، سالم محاد، مدين مسلم، الراحل سالم اليعقوبي، وغيرهم كثر.. إنما هل الكثرة هي الأرجح أم قوة التأثير، اختيار الكلمة التي تهز بقوتها، أو الموسيقى القادرة على إحياء نبض الكلمات في القلب مرة بعد مرة، أو أن الأصوات لم تجد سوى المفروض عليها، أو لم تصب في اختيارها حيث إن «السلق» تفوق على السليقة، فلم تجد الموهبة فرصتها لتغني بفطرة المحبة للوطن بدلا من الطبخ السريع، والذي تكاثر علينا بما أصابنا بعسر «فهم» لما يحدث على مستوى الأغنية الوطنية.. أو أننا محكومون بالقديم، فلم يعد الجديد يقنعنا بإحساسه؟
اختيار كلمات لا يليق بذائقتنا الشعرية مع وجود شعراء معروفين.. وألحان لا تخرج في هويتها عن أية أغنية أخرى، عاطفية أو شكوى حياة، أما الأصوات فأشعر بها - وهذا تقييمي الشخصي الذي قد يجانبه الصواب - أشبه بالموظف الذي عليه إنهاء المطلوب منه، كما يحدث في أعمالنا الدرامية الأخرى، أما إخراج الأغنية تلفزيونيا فأصبح سهلا لدرجة أنك لا تفرق إن كان المخرج ينتمي إلى جيل السبعينيات أو أنه يعيش في عصرنا.. الجديد في كل شيء؟!!
الاستثناء الذي يستطيع الإقناع نادر، إلى درجة أننا لو فكرنا في أغنية وطنية لافتة الآن.. فلن نجد!