برافو الجزائر

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٤/أبريل/٢٠١٩ ١٢:٥٥ م
برافو الجزائر

أحمد المرشد
«إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي.. ولابد للقيد أن ينكسر».. مقدمة لابد منها لتكون مدخلنا إلى ما يحدث بالجزائر من ثورة نظيفة أو بيضاء كما نطلق عليها، فهي تسير هكذا حتي وقتنا الراهن، فما حدث في هذا البلد الشقيق الواقع في المغرب العربي والغالي علي قلوبنا من الوطن الكبير لهو أسلوب راق من شعب أثبت رقيه في التعامل مع الأحداث، فلم نر أي حوادث شغب ولا تكسير أو أعمال عنف وتخريب وتدمير متعمد للممتلكات العامة والخاصة.
وحسنا فعل الجيش الجزائري الذي انتصر لإرادة شعبه وأيد مطالبه في التغيير.. فهكذا يجب أن تكون الجيوش تنتصر لإرادة الشعوب ولا تقف حجر عثرة ضد طموحاتها، فهي من الشعب وإليه، وكما فعل المصريون في الثلاثين من يونيو 2013 فقد حقق الجيش أمل الشعب المصري في التغيير وتجاوز عنق الزجاجة التي أحكمت على آمانيهم في تلك الفترة.
وهنا يجب أن يعلم كل حاكم أن جلوسه في الحكم يجب أن يكون برضا شعبه، فالحاكم الذي يعجز عن أداء واجبه أو تلبية ما يريده شعبه عليه أن يتنحى بكل كرامة ويلتزم بإرادة شعبه، فهو أتى إلى الحكم بهذه الإرادة وتنفيذا لها، وعليه أن يرحل نزولا لها..
إن ما أعجبني في ثورة الجزائر التي تشابهت مع ثورة 30 يونيو، أن الجزائريين لم يركنوا إلى العنف والتكسير ولا أي مظهر تخريب وشغب كما أسلفت..هكذا يجب أن تكون الثورات بيضاء كما تعلمنا من التاريخ والأحداث.
ومن هنا أقول، أنه يحق للشعب الجزائري الذي شعر بالإحباط والغضب بسبب تفشي الفساد وارتفاع نسبة الباحثين عن عمل وتراجع حجم النقد الأجنبي وتدني النمو الاقتصادي في بلد يعد غنيا بنفطه وبغازه الطبيعي، أن يفرح بنجاح ثورته البيضاء وتحقيق هدف التغيير رغم أنه غير كامل حتي الآن حيث يطالب الجزائريون بتغيير كامل للنظام القديم وليس مجرد رأس النظام، فالكل مشارك في دائرة الفساد والظلم وكبت الحريات وتعظيم دور الأمن والمخابرات في بلد لم يعرفه للأسف حكامه أو أساؤوا تقدير موقفه، فالشعب الجزائري معروف كيف سبب ألما مفجعا للمستعمر الفرنسي وأذل أقوي جيوش العالم حينذاك.
ومن نافلة القول في مقامنا هذا أن ننبه الشعب الجزائري أن ما تحقق حتي الآن أمر عظيم وهم بذلك يسيرون في طريق الخلاص من النظام القديم، ولكن الرسالة المهمة التي يجب أن يدركها هذا الشعب أن ما تحقق هو الجزء اليسير من ثورتهم أما الجزء الصعب فهو آتي في الطريق وعليهم أن ينتبهوا جيدا لكل خطواتهم المقبلة، فاستقالة الرئيس بوتفليقة قبل ترشحه للولاية الخامسة نزولا علي رغبة الشعب الجامحة في الشوارع منذ فبراير الفائت ليست النهاية وإنما البداية، فالثورات العربية التي عاصرناها بعد ثورة الياسمين التونسية وميدان التحرير في مصر وما أعقبهما في ليبيا واليمن وسوريا لهو أمر يصعب وصفه ولكنه واضح أمام الجميع، إنها مأساة حقيقية إذا استثنينا تونس ومصر من وصمة ما يطلق عليه « الربيع العربي» لا هو ربيع ولا يليق بوطن عربي عريق صاحب حضارات.
أعود وأقول أن أمام الجزائريين فترة صعبة للغاية عليهم خلالها معرفة ماذا يريدون بالضبط، خاصة وأن بوتفليقة ترك سدة الرئاسة في وضع صعب يموج بالكثير من التحديات التي قد تنال من مستقبل هذا الشعب.
فهو تقدم باستقالته ليترك أركان نظامه يديرون دفة الحكم لمدة ثلاثة أشهر كاملة وقد يستطيعون خلالها إعادة ترتيب الأوضاع بما يتسق مع أهدافهم التي تتناقض من أحلام وطموحات الشعب الجزائري.
فالجزائريون وهم علي أعتاب تأسيس الجمهورية الثانية في بلادهم بعد نهاية الجمهورية الأولي التي شملت 10 رؤساء أخرهم بوتفليقة ويمثلون جميعهم جبهة التحرير، عليهم التركيز في شكل الدولة التي يريدونها، ديمقراطية حقيقية ذات اقتصاد حر وتتمتع بحرية التعبير والتجاوز عن المخالفات الأمنية والقضاء علي الفساد الي الأبد، وهذه أهداف ليست سهلة بالمناسبة، فعندما أراد المصريون غداة نجاحهم في ميدان التحرير مروا بأصعب تجربة في حياتهم، ولم يحققوا قيد أنملة مما حلموا بل انقلب حلمهم إلى كابوس لولا الإرادة الإلهية التي انقذتهم من براثن تلك الفترة وأرادت خطف مصر والعودة بها إلى العصور الوسطي..
وأمامنا تجارب سوريا واليمن وليبيا بدون الخوض في التفاصيل لأنها ماثلة أمامنا ولا داعي لتكرارها، فنحن نري نتائجها علي الأرض، سوريا (أم المشرق) تئن تحت سيطرة روسية – إيرانية – تركية وتخضع معظم أراضيها لجيوش أجنبية..واليمن السعيد أصبح ممزقا بين جنوب وشمال وجيشين، ، أما ليبيا وبالرغم مما يحدث فيها قبل أيام ومحاولات جادة من الجيش استعادتها من جماعة «الإخوان المسلمين»، فهي أضاعت من عمرها سنوات طويلة في حرب أهلية لا طائل منها سوي الخراب والدمار وتأجيل بناء المستقبل هناك.
ويمكن لأي مراقب لأحداث الجزائر أن يرصد بعض النقاط المهمة التي قد تحول دون التحرك سريعا في اتجاه تأسيس الجمهورية الثانية، ومنها الحرب بين أركان نظام بوتفليقة من أجهزة مخابرات وأمن ورجال أعمال ومستفيدين وبين الجيش الذي يحاول ترميم ما تم تدميره هناك، فعلى سبيل المثال تعرضت حركة الجيش بإعلانها ضم المخابرات بوزارة الدفاع، بعدما كانت تابعة لرئاسة الجمهورية، للقيل والقال، وراجت شائعات منها أن قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح يريد تعزيز إحكام سيطرته على السلطة، ويضعه في «وضع جيد» ليصبح الرئيس الفعلي للبلاد، هذا في الوقت الذي راجت فيه علي مواقع التواصل الاجتماعي حملة رافضة لخطوة الجيش ومطالبته بالاكتفاء بحماية المرحلة الانتقالية وألا يتدخل في أي خيار سياسي يريده الجزائريون.
وقد نسي المغردون علي هذه المواقع خطايا تلك الأجهزة التي ضمها الجيش لتكون تحت إمرته حتي لا يتلاعب القائمون عليها بالثورة، وتقديري – مجرد تقدير مبدئي للأحداث – أن خطوة صالح هذه ضرورية في طريق استكمال نجاح ثورة الجزائريين حتي يقطع الطريق علي تلك الأجهزة المجال لتنظيم تمرد أو ثورة مضادة، فالخطوة تعد مهمة جدا في طريق تحقيق كافة مطالب الشعب، ولا تعكس أي رغبة لقائد الجيش قايد صالح لتعزيز قوته كحاكم فعلي للبلاد، خصوصا أنه أعلن موقفه بصراحة ووقف مع الشعب وطالب بتنحية الرئيس وضرورة التزامه ببنود الدستور ومغادرة المشهد السياسي، الأمر الذي يتشابه مع دور رئيس مصر عبد الفتاح السيسي الذي وقف بجانب شعبه ضد الحكم الإخواني والقضاء عليهم.
وثمة مشكلة خطيرة تعترض ثورة الجزائريين وهي مطالبتهم بضرورة التخلص من كافة أركان النظام السابق وهم رئيس الوزراء نور الدين بدوي، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، ورئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، باعتبار أن هؤلاء يشكلون خطرا على البلاد لأنهم النواة الصلبة لجماعة الرئيس المستقيل..والمشكلة أن بن صالح مخول بحكم الدستور بإدارة البلاد خلال 90 يوما لحين وضع ترتيبات الانتخابات المقبلة تحت إشراف المجلس الدستوري الذي يرفض الجزائريون رئيسه بلعيز أيضا.
والتساؤل:» هل يعي هؤلاء المرفوضين شعبيا – رغم كونهم مدعومين بحكم الدستور – معني إدارة مرحلة انتقالية بالجزائر؟..أم سيواصلون عملية الثورة المضادة ضد الرغبة الشعبية والالتفاف عليها؟..ولهذا قلنا في البداية أن ما تم في الجزائر حتي الآن هو الأمر اليسير، ويبقي الصعب في الطريق، ولكن الأمل أن ينجح الجزائريون في إدارة شؤونهم وحسن اختيار الأصلح، فالثورات تكون غالبا في البداية بلا عقل أو رأس كما عهدنا في كل الدول العربية التي شهدت مخاضا كهذا، وكل الخوف أن يخطفها متطلع أو فاسد يعيد الكرة من جديد «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت»، فعلي الجزائريين عدم الانزلاق إلى هوة لا يستطيعون تجاوزها، وأملنا كعرب أن تستمر ثورتهم البيضاء ويتحقق كل ما يتمنون لحصد المكتسبات المرجوة.

كاتب ومحلل سياسي بحريني