أيها المثقفون والإعلاميون الكبار

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٧/أبريل/٢٠١٩ ٠٥:١٥ ص
أيها المثقفون والإعلاميون الكبار

أعرف مجموعة لا بأس بها من الكتاب والصحفيين والإعلاميين والمثقفين العرب المخضرمين البارزين.

وهم بصراحة على قدر عال جداً من الخبرة والاطلاع والتاريخ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتهمهم بقصر النظر أو قلة المعرفة، بل على العكس من ذلك يعرفون البئر وغطاءه جيداً ولهم مئات الدراسات والكتب والمؤلفات والمقالات في شتى أنواع المعرفة والسياسة.

والأغرب من ذلك أن بعضهم بلغ من العمر عتياً، وقد تجاوز السبعين من العمر أو اقترب منها.
بعبارة أخرى، لم يعد بحاجة إلى المال بعد هذا العمر الطويل في الكد والعمل.
لا شك أنهم جمعوا ما يكفيهم لبقية العمر وربما أكثر بكثير مما يستطيعون تركه لورثتهم وأولادهم من بعدهم.
ولو كان هؤلاء المؤيدون لهذا الطاغية أو ذاك وأمثاله في بداية مشوارهم الإعلامي ويريدون أن يكسبوا بعض المال أو يتقربون من الأنظمة العسكرية الفاشية كي تدعمهم لتحقيق بعص طموحاتهم في الحياة، لربما سامحناهم وقلنا: الحياة صعبة ومن حق هؤلاء المبتدئين في الكتابة والصحافة والإعلام والثقافة أن يستظلوا بظل أي جهة تساعدهم للانطلاق، لكن الغريب العجيب أن كل الذين يوالون الطواغيت ويدافعون عنهم في مواقعهم الإلكترونية وعلى الشاشات وغيرها، كما أسلفت، صاروا أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، وغزا الشيب أو الصلع رؤوسهم منذ سنوات.
مع ذلك ما زالوا يشتغلون بعقلية المرتزقة، مع العلم أن الحقائق أمامهم تفقأ العيون في الديكتاتوريات العسكرية القذرة.
سؤال لذلك القومجي العربي الذي كان يطالب الشارع العربي منذ عقود بالانتفاضة على الطواغيت، لماذا عندما انتفض الشارع وقفت أنت وأمثالك مع الطواغيت ضد الشارع؟ لا شك أنك ستقول إن الثورات العربية كانت بترتيب أمريكي إسرائيلي عربي، وهي لتدمير البلاد العربية.
لنفترض جدلاً أن الثورات كانت عبارة عن مؤامرة على بلادنا كم تدعون، هل يسمح لك ذلك أن تقف مع الذي شرد خمسة عشر مليونا، وقتل أكثر من مليون ودمر نصف البلاد أو أكثر بطائراته وصواريخه ودباباته؟ لو اكتفى هؤلاء القومجيون في فضح ما يسمونه بالمؤامرة الكبرى على تدمير بعض البلاد العربية، لربما غفرنا لهم، وقلنا: هذا رأي قابل للأخذ والرد، لكن المشكلة أنهم وقفوا مع الجهة الغلط، وقفوا مع المجرمين ضد الضحايا.
دائماً تراهم يدافعون عن الديكتاتوريات الاستبدادية بحجة التصدي للغرب، وقلما تسمع منهم كلمة واحدة لصالح الملايين فوق الأرض أو وتحتها الذين سحقتهم آلة الحرب.
ليتكم اكتفيتم بهجاء ما تسمونه مؤامرة على هذا البلد العربي أو ذاك، ولم تنحازوا إلى الأنظمة القاتلة، لربما غفر لكم الشارع العربي الذي خسرتموه، لكنكم رحتم ترددون نفس اسطوانة الأسد وشركاه وكأنكم أبواق مدفوعة الثمن.
ليتني أعرف ماذا ستفعلون بالأموال التي تتقاضونها من هنا وهناك كي تجملوا صورة الطغيان.
هل يعقل أنكم تعتبرون نصف هذا الشعب أو ذاك المشرد والمذبوح ثلة من العملاء والخونة؟ كيف يختلف خطابكم الدنيء عن خطاب الأنظمة الفاشية التي تعتبر الملايين التي خرجت ضدها مجرد جراثيم يجب تنظيف البلاد من رجسها.

سأتفق معكم أيها القومجيون بأن الجماعات الإرهابية التي أرسلها الغرب والعرب دمرت الكثير من بلادنا وساهمت في تشريد الملايين، لكن هل يسمح لكم هذا أن تقفوا مع الأنظمة وداعميها؟ لا نريديكم أيها «المثقفون» الكبار، ونحن نعرف أنكم تعرفون الكثير، أن تقفوا مع الذين تعبرونهم متآمرين على بلادنا، بل على الأقل لا تقفوا مع الجنرالات والقتلة والمجرمين.

كونوا على الأقل على الحياد، فالتاريخ لا يرحم، هذا إذا كنتم تعيرون التاريخ أي اهتمام، ولم يكن هدفكم فقط ملء جيوبكم من أموال الجنرالات وحلفائهم المجبولة بدماء ملايين الضحايا العرب.

اعلامي ومقدم برنامج الإتجاه المعاكس في قناة الجزيرة