الصين ومستقبل أسعار السلع الأساسية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م
الصين ومستقبل أسعار السلع الأساسية

عبدل ابياد وشانغ –جين وي

إن مما لا شك فيه أن التباطؤ في النمو الحالي في الصين كان له تبعات بعيدة المدى على الإقتصاد العالمي ولكن دور الصين في الهبوط الحاد لأسعار السلع الأساسية منذ سنة 2014 –نتيجة مدمرة للدول المصدرة للسلع الأساسية بما في ذلك الإقتصادات الناشئة التي كانت ديناميكية بالماضي-هو دور محدود مقارنة بالحكمة التقليدية ففي واقع الأمر فإن تباطؤ الصين هو فقط جزء من قصة أسعار السلع الأساسية.
في واقع الأمر هناك إرتباط واضح بين نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني وأسعار البضائع الأساسية وفي أوائل العقد الماضي عندما تسارع النمو الصيني إرتفعت أسعار البضائع الأساسية بشكل حاد ومنذ أن بدأ التباطؤ الصيني سنة 2011 ،إنخفضت أسعار الطاقة بنسبة 70% وأسعار المعادن بنسبة 50% وأسعار البضائع الأساسية الزراعية بنسبة 35%.
لكن الرأي القائل بإن التباطؤ الصيني هو المحرك الرئيسي لإنهيار أسعار السلع الأساسية هو رأي غير مكتمل في أحسن الأحوال . لقد أظهرت الأبحاث الجديدة الصادرة عن بنك التنمية الآسيوي أنه بينما تلعب الصين دورا معتبرا في أسواق السلع الأساسية – تمثل حوالي نصف الإستهلاك العالمي من المعادن والفحم ولحم الخنزير على سبيل المثال- إلا أنها ليست مهيمنه كما هو معتقد فالصين تمثل أقل من خمس الإستهلاك العالمي من السكر والقمح ولحوم الدواجن ولحوم الأبقار كما تمثل 12% من الإستهلاك العالمي من النفط الخام و 5% من الغاز الطبيعي وفي واقع الأمر بعض السلع الأساسية التي شهدت أكبر هبوط بالسعر- وخاصة النفط (هبوط بنسبة 73%) والغاز الطبيعي (هبوط بنسبة 55%) – هي في الواقع سلع تلعب فيها الصين دورا محدود نسبيا.
بالإضافة إلى ذلك فإن إستهلاك الصين الفعلي من السلع الأساسية هو في الوقع أقل من الأرقام المعلنة. إن المقاييس التقليدية عوضا عن حساب سلاسل الإنتاج عبر الحدود تقوم بكل بساطة بحساب مجموع إنتاج البلاد وصافي واردات السلع الأساسية من أجل تحديد مستوى الإستهلاك ولكن بالنسبة للصين فإن نسبة كبيرة من السلع الإساسية التي "تستهلكها " تستخدم فعليا في إنتاج البضائع التي يتم تصديرها لبقية العالم وفي واقع الأمر حوالي ثلث الطلب الصيني على المعادن يستخدم في تلبية الطلب على الصادرات . إن طرح السلع الأساسية التي أصبحت جزءا من الصادرات الصينية من البضائع المصنعة سوف يقلل بشكل كبير من ما يبدو أنه دور صيني في تلك الأسواق .
إن النظر لتقلبات أسعار البضائع الأساسية نفسها تعزز هذه النظرة فلو نظرنا للنحاس لوجدنا أنه من 2001 إلى 2006 كانت الأسعار تصعد وتهبط بشكل عجيب حيث إنخفضت الأسعار بنسبة 30% في بعض السنوات وزادت بنسبة 150% في سنوات أخرى بينما بقي النمو في الإنتاج الصناعي الصيني والطلب على النحاس ثابتا بشكل نسبي وذلك بنسبة 15% و 20% على التوالي . إن من الواضح أن عوامل أخرى- تمتد من عوامل العرض والطلب العالمي إلى الطلب المرتبط بالمضاربة وضبط المخزون – تلعب أيضا دورا رئيسيا في تحريك النتائج في أسواق السلع الأساسية.
إذن ماذا يعني إستمرار تباطؤ الصين على أسعار السلع الأساسية ؟ على الرغم من تراجع حدة نمو الصين منذ سنة 2011 فإن نمو إستهلاك السلع الأساسية في البلاد ما يزال أسرع من بقية العالم وكنتيجة لذلك فإن مساهمة الصين في الإستهلاك العالمي للسلع الأساسية في تصاعد.
لا يجب أن يكون ذلك مفاجئا وذلك نظرا لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني وإن كان أقل بكثير من أيام الذروة والذي وصل فيها لأكثر من 10% ما يزال حاليا فوق نسبة 6% وبينما الإنتقال من نموذج نمو يحركه الإستثمار إلى نموذج نمو يحركه الإستهلاك سوف يضعف النمو في الطلب على المعادن والطاقة فإنه سيؤدي كذلك لزيادة في الطلب على المنتجات الغذائية والخدمات وبالتالي السلع الزراعية .
إن الخلاصة واضحة وهي أن الوضع الإقتصادي المتغير في الصين لا ينذر بكارثة لمصدري السلع الأساسية بل على العكس من ذلك وحتى لو حصل ما يخشاه الكثيرون من حدوث المزيد من التباطؤ في الإقتصاد الصيني فإن تأثيره على أسعار السلع الأساسية سيكون محدودا.
إن ما يعزز من الآفاق المستقبلية لأسعار السلع الأساسية هو الوعد بإن الطلب في الدول الصاعدة العملاقة الأخرى مثل الهند وأندونيسيا سوف يتسارع في السنوات القادمة . إن إقتصاد بقية الدول النامية في آسيا هو أضخم بنسبة 4% من الإقتصاد الصيني وأضخم بمرتين من الإقتصاد الصيني سنة 2000 عندما بدأ نمو الطلب على السلع الأساسية في الصين يتسارع . لو أستمر النمو القوي في بقية الدول الصاعدة في آسيا خلال الخمس عشرة سنة القادمة فإن هذا النمو سيولد طلب على السلع الأساسية على الأقل بحجم الطلب الذي كان في الصين في سنوات الإزدهار.
إن التأثير السلبي على أسعار السلع الأساسية من تراجع النمو الصيني هو تأثير حقيقي ولكن يجب أن لا نضع اللوم فقط في الهبوط الحاد والعام في أسعار السلع الأساسية على عاتق الصين لوحدها وربما الأهم من ذلك كله هو أنه نظرا لإن الصين ما تزال تستورد كميات كبيرة من السلع الأساسية ونظرا لأن بقية آسيا النامية من المفترض أن تولد صعود جديد في الطلب على السلع الأساسية فإن الآفاق المستقبلية لعودة الإرتفاع في أسعار السلع تبدو أفضل.
وشانع جين وي هو كبير الإقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي .