السلطنة تسير بخطى ثابتة نحو خفض الإنفاق وضبط التضخم

مؤشر الأحد ٢٧/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٤٨ م
السلطنة تسير بخطى ثابتة نحو خفض الإنفاق وضبط التضخم

مسقط - ش

منذ الإعلان عن الخطة الخمسية التاسعة والسلطنة تنفذ خطة منهجية لتخفيف الأعباء عن الاقتصاد من خلال مجموعة من الإجراءات التي تتخذها تباعاً لخفض الإنفاق وتحرير أسعار بعض السلع والخدمات التي كانت تشكل عبءاً على الدولة وبالتالي على المواطن. لكن الأهم أن تلك الإجراءات تتم بطريقة تدريجية بشكل يمنع التضخم مع تشديد الرقابة على الأسعار.
فبعد نجاح خطة رفع الدعم عن الوقود، اتخذت السلطنة خطوات جديدة لتخفيض الإنفاق وابرزها ما أعلنه وكيل وزارة النفط والغاز سعادة المهندس سالم بن ناصرالعوفي عن أن السلطنة تدرس رفع الدعم عن غاز الطبيعي المسال للأنشطة التجارية والصناعية قريباً جداً، ما يشكل خطوة إضافية لخفض الدعم الحكومي على بعض القطاعات الأساسية، غير أن هذه الخطوة ستشمل المستخدمين في القطاعات التجارية والصناعية ولن تشمل المستهلكين الأفراد في هذه المرحلة على الأقل، ومن المرجح أن يؤدي خفض الدعم إلى ارتفاع تكاليف الاستخدام الصناعي، غير أن ذلك يمكن تعويضه بأضعاف من خلال المشاريع التي تسير بها السلطنة لدعم القطاعين الصناعي والسياحي ما يعني استغلال الوفر الناتج من دعم الغاز المسال من أجل تحقيق نمو مستدام للقطاعات المتأثرة فيه. وكذلك فإن عدم تطبيق قرار رفع الدعم على الغاز المنزلي سيخفف من تاثيراته السلبية ولن يزيد الأعباء على الأسر والأفراد.

الوقاية من التضخم
وتأتي إجراءات الحكومة بشكل تدريجي منعا للتضخم في الأسعار ولعدم التسبب في التباطؤ الاقتصادي، وصرّح الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط معالي سلطان الحبسي خلال مشاركته في ملتقى عمان الاقتصادي بأن سنوات الخطة الخمسية الثامنة شهدت معدلات تضخم منخفضة رغم الزيادة الملموسة في توظيف المواطنين وزيادة أجورهم، إذ بلغت أعلاها 4.1 في المئة العام 2011 ولم تتجاوز 1.5 في المئة العام 2015، عازياً ذلك إلى السياسات المالية والنقدية التي اتبعتها الحكومة والإجراءات اتخذت لمراقبة وضبط الأسواق وتفعيل الإجراءات الخاصة بحماية المستهلك.
وبحسب مؤشر التضخم الخليجي الصادر عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج فإن السلطنة وحدها من بين دول مجلس التعاون سجلت تراجعاً في التضخم في نهاية العام الفائت، وكذلك استطاعت رغم رفع الدعم عن الوقود أن تبقي التضخم تحت السيطرة وذلك من خلال الأجهزة الرقابية الفاعلة في الدولة وعلى رأسها الهيئة العامة لحماية المستهلك والوزارات المعنية.
وفعلياً لم تقم السلطنة حتى الآن باتخاذ إجراءات تحمل الأسر والأفراد عبء تمويل العجز، كما تتصرف الحكومات الأخرى عادة، إذ لم تقر أي ضرائب جديدة بل اكتفت حتى الآن برفع الدعم عن بعض القطاعات التي كانت تستنزف ميزانية الدولة، لا سيما أن هذا الدعم لم تستفد منه الطبقات الأكثر حاجة إليه، بل كان متساوياً بين الأفراد والمنشآت وذوي الدخل المحدود واصحاب المداخيل العالية. لذلك يأتي خفض الدعم بهدف ترشيد الإنفاق لا مجرد تقليصه، ليوظف في القطاعات والمشاريع التي من شأنها تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ ضمن خطة تنويع الاقتصاد فضلاً عن تأمين وظائف كثيرة تستهدف الباحثين عن عمل بالدرجة الأولى، فينتقل المواطنون من الاعتماد على الدولة إلى الاعتماد على مداخيلهم وأعمالهم وتطوير وضعهم الاقتصادي الفردي ما يعتبر الحجر الأساس في بناء أي اقتصاد سليم.

عجز لا بد من علاجه
وكانت أسعار النفط المنخفضة تسببت في عجز متوقع في الميزانية العامة بلغ نحو 3.3 بليون ريال عماني للعام الجاري منخفضاً من 4.5 بليون ريال عماني في العام الفائت، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات مدروسة بشكل لا تتأثر فيه القدرة المعيشية للمواطنين.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي أنفقت السلطنة 7.3 بليون دولار على كل أشكال دعم الطاقة في العام الفائت، غير أن السلطنة تعاني مثل سائر الدول المنتجة للنفط من عجز في الموازنة بسبب تراجع أسعار الذهب الأسود، ما فرض اجراءات وقائية تدخل ضمن الإصلاحات الاقتصادية الضرورية لتحقيق نمو مستقبلي مستدام.

وقال وزير التجارة والصناعة معالي د.علي بن مسعود السنيدي إن الإنفاق الحكومي للسلطنة في العام 2014 وصل إلى 15.4 بليون ريال عماني، نراه رقما مبالغا فيه بسبب ارتفاع أسعار النفط في ذلك الوقت، مضيفا في ملتقى عمان الاقتصادي الخامس، أن الحكومة أعادت النظر في موضوع الدعم في القطاع الخاص ولم يؤثر ذلك على القطاع الصناعي الذي استطاع أن يستوعب الزيادة، مشيرا إلى أن الدعم يؤدي إلى تشويه الاقتصاد بعدم معرفة القيمة الحقيقية للخدمات، ولذلك سيتم التركيز على معالجة هذا الأمر في الفترة الراهنة. وأضاف السنيدي أن التخفيضات في الإنفاق أصابت الأجهزة الحكومية العسكرية والمدنية بتقليل الإنفاق فيها بنسبة 3 في المئة لتصل النسبة بعد ذلك إلى 10%، مؤكداً أن الحكومة مطالبة بتخفيض الإنفاق بليونين على الأقل من الرقم السابق للموازنة العامة.

اتجاه دولي
ولا تعتبر الخطوات التي تقوم بها السلطنة استثنائية إذ ان الاتجاه العالمي يسير نحو التخلي عن أشكال الدعم كافة، إذ اعتبر صندوق النقد الدولي ممثلاً برئيسته كريستين لاجارد أن رفع الدعم هو شرط خروج الدول النفطية من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، وصرّحت بأن دول مجلس التعاون قادرة على تنفيذ تعديلات مالية واسعة تحتاجها للتكيف مع عصر النفط الرخيص معتبرة أن رفع الدعم على الطاقة هو في صلب تلك السياسات. وأضافت: أنه سيتعين على مصدري النفط الخام خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات الحكومية.
ومن المتوقع أن تتخذ الحكومة مجموعة من الإجراءات الجديدة لخفض الإنفاق، وقد يشمل ذلك أشكالاً اخرى من الدعم كقطاع الكهرباء، إنما ذلك سيتم ذلك بطرق تدريجية لمنع أي تباطؤ اقتصادي ولعدم التاثير سلباً في خطط جذب الاستثمار. ومن شأن هذه السياسة تقليص العجز من جهة وتخفيف مستوى الاقتراض الخارجي والداخلي من جهة أخرى، لا سيما ان أي اقتراض يترافق عادة مع سياسات ضريبة جديدة وزيادة في الرسوم الحكومية مما يؤدي إلى تضخم في الأسعار.

نظرة متفائلة
وما يدعو إلى التفاؤل أن الإجراءات الحكومية تأتي متزامنة مع مضي الحكومة في خطة فاعلة نحو تنويع الاقتصاد واستقطاب المستثمرين الجدد، فضلاً عن توقيع اتفاقيات عدة مع الدول المجاورة من شأنها فتح الأسواق أمام الصادرات العمانية، وتفعيل قطاعي النقل والخدمات اللوجستية. وتأتي كذلك بالتزامن مع بدء تعافي أسعار النفط العماني وزيادة سعر برميل نفط عمان الخام أكثر من 10 دولارات خلال أقل من شهرين، مع توقع بمزيد من التحسن مع اقتراب اجتماع الدول المنتجة للنفط في الدوحة أبريل المقبل، والسعي لاتفاق حول تجميد حجم الإنتاج. ويساهم تحسن الأسعار في المزيد من تخفيض العجز بما ينعكس إيجابا على الوضع الاقتصادي العام للسلطنة.
وإذا بدت خطط رفع الدعم عن الوقود والغاز خبراً سلبياً للحظة الأولى، فإن من شأنها أن تحد من المخاطر الاقتصادية وأن تضبط التضخم، وأن تخفف من بعض الإجراءات الصارمة التي من الممكن أن تتخذها الحكومة للتخفيف من آثار الانخفاض العالمي للنفط.
لذلك فإن خطط رفع الدعم هو عملية موضعية ستساهم في الوصول إلى جسد اقتصادي جيد.