ميثاق عالمي جديد

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/مارس/٢٠١٩ ٠٣:٥٥ ص
ميثاق عالمي جديد

كارل بيلدت

في شهر أغسطس من عام 1941، قبل أن تدخل الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، التقى رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت سرا قبالة ساحل نيوفاوندلاند لمناقشة كيف يمكن تنظيم العالم بعد الحرب. كما جَرَت محاولة مماثلة في فرساي قبل ذلك بما يزيد قليلا على العشرين عاما، ولكن من الواضح أنها كانت محاولة فاشلة.

أسفر لقاء تشرشل وفرانكلين روزفلت عن ميثاق الأطلسي، الذي أنشأ مجموعة من المبادئ والمؤسسات المشتركة التي لا تزال تحدد هيئة النظام الدولي بعد مرور ثمانين عاما. في عام 1944، أرسى مؤتمر بريتون وودز الأساس لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وغيرهما من المؤسسات المالية العالمية؛ وسرعان ما تبع ذلك تأسيس الأمم المتحدة. وجرى تحويل قوى المحور المهزومة إلى ديمقراطيات ديناميكية تتبنى اقتصاد السوق، وتم إدماجها في النظام العالمي الجديد، في حين جرى الحفاظ على الاستقرار من خلال هياكل أمنية تعاونية تمتد عبر المسرحين الأطلسي والباسيفيكي.

ثم جاءت الإصلاحات الاقتصادية في الصين، بداية من أواخر سبعينيات القرن العشرين، وانهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ومن ثَـمّ بات من الممكن البدء في تحقيق حلم الحكم العالمي الحقيقي المتعدد الأطراف الذي تصوره ميثاق الأطلسي. وفي عام 1995، حلت منظمة التجارة العالمية محل الاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) التي كانت تنتمي إلى زمن بريتون وودز، وفي غضون أقل من عشرين عاما، تنامت التجارة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من نحو 40 % إلى أكثر من 70 % (وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر من عام 2001).
خلال هذا العصر الذهبي الذي اتسم بالتعددية، والعولمة، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، انتُشِل أكثر من مليار إنسان من براثن الفقر المدقع، وأصبحت الديمقراطية المعيار العالمي. ولكن من الواضح أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهد قدوم حقبة مختلفة. فمع مرور الأجيال، تلاشت الذكريات من سنوات النظام الدولي التكوينية والمآسي التي جعلت من ذلك النظام ضرورة. وظهرت قوى جديدة تحدت الهيمنة الغربية في سياق متعدد الأقطاب على نحو متزايد. وأثار انتشار الأنظمة الاستبدادية في الآونة الأخيرة عِدة تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية.

على الرغم من بقاء الهياكل الأساسية لنظام ما بعد الحرب، فإنها الآن تُفرَغ من محتواها في مواجهة النزعة التعديلية الرجعية الروسية، والعدوانية الصينية، والارتباك الأميركي، وعدم اليقين الأوروبي. وبهدف تنقيح مبادئ ميثاق الأطلسي بما يجعلها صالحة لهذا العالم الجديد الخطير، قام مؤخرا مركزان بحثيان بارزان، المجلس الأطلسي في الولايات المتحدة ومركز إبداع الحوكمة الدولية في كندا، بعقد اجتماع ضم صناع السياسات والمفكرين، وأنا من بينهم، من 19 دولة مختلفة.

عند محاولة صياغة مجموعة جديدة من المبادئ المشتركة، يكمن التحدي الأكبر في اتخاذ القرار حول ما إذا كان من الواجب تطبيقها على ديمقراطيات العالم فقط، أو أيضا على الدول من أمثال روسيا، والصين، والمملكة العربية السعودية. من الواضح أن الديمقراطية هي إلى حد بعيد أفضل طريقة لضمان احترام الحقوق الفردية؛ لكن المناقشة يجب أن تكون مفتوحة أيضا على أولئك الذين يدافعون عن قيم ومصالح مختلفة. في حالتنا هذه، كنا نريد إنتاج وثيقة تلقى القبول في «الغرب الكلاسيكي» وأيضا في البرازيل، والجزائر، وإيران، والهند، وإندونيسيا، وفيتنام.

أسفرت مداولاتنا عن إعلان المبادئ الذي أصدرناه في مؤتمر ميونيخ للأمن في الشهر الفائت. وجاء في هذا الإعلان: «استلهاما من الحقوق غير القابلة للتصرف والمستمدة من أخلاقياتنا، وتقاليدنا، وعقائدنا، نلزم أنفسنا بالسعي إلى مستقبل أفضل لمواطنينا وأممنا. وسوف ندافع عن قيمنا، ونتغلب على إخفاقات الماضي بالاستعانة بأفكار جديدة، ونجيب على الأكاذيب بالحقائق، ونواجه العدوان بكل قوة، ونتقدم وكلنا ثقة في أن الغَلَبة ستكون لمبادئنا».
يشتمل الإعلان الكامل على سبعة بيانات تحت عناوين «الحرية والعدالة»، و»الديمقراطية وتقرير المصير»، والسلام والأمن»، و»الأسواق الحرة وتكافؤ الفرص»، و»الكوكب المفتوح الموفور الصحة»، و»حق المساعدة»، و»العمل الجماعي». وفي كل من هذه المناطق، كان هدفنا متمثلا في وضع مبادئ من الممكن أن تخدم كركائز لإجماع جديد بعد مناقشة عالمية شاملة.
الإعلان ليس مجرد إعادة صياغة لمعتقدات سابقة. ومن الواضح أن القضايا البيئية أصبحت أكثر بروزا مما كانت عليه من قبل، ولابد من إعادة صياغة المسائل المتعلقة بالسيادة بما يتفق مع عالَم مترابط ومتشابك على نحو متزايد. والواقع أن المخاوف المشتركة بشأن كيفية تقاسم الرخاء داخل البلدان وبين بعضها بعضا اكتسبت رواجا كبيرا.
لكن القيم الأساسية مثل احترام الحقوق الفردية تظل تشكل أهمية جوهرية، وكذا الاعتقاد بأن «الحكومات التي تستجيب لمواطنيها وتحترم سيادة القانون قادرة على معالجة التفاوت، وتصحيح الظلم، وخدمة الصالح العام على نحو أفضل». ولا شك أن الحكومات التي تتجاهل هذه الشروط تجازف بالفشل.
الواقع أن هذا الإعلان، الذي كان ثمرة سنوات من المناقشات والمراجعات، حظي بتأييد واسع النطاق من مختلف أنحاء العالم. لكن هدفنا يتمثل في بدء مناقشة أوسع، لا أن تكون الكلمة الأخيرة لنا. ونحن لا نستسلم لأي أوهام حول منافسة هذا الإعلان لميثاق الأطلسي عندما يتعلق الأمر بتأثيره التاريخي. ولكن لا تساورنا أي شكوك أيضا حول مدى إلحاح وضرورة إجراء مناقشة جديدة حول المبادئ الأساسية للحكم العالمي. وفي غياب مثل هذه المناقشة، سوف يستمر تدهور النظام القديم، لكي تحل محله غابة تحكمها القوة المطلقة والمصلحة الذاتية الضيقة. ونحن نعلم جميعا إلى أين قادنا مثل هذا الوضع في المرة الأخيرة.

وزير خارجية السويد في الفترة من 2006 إلى أكتوبر 2014، ورئيس الوزراء من 1991 الى 1994