ديفيد إغناتيوس
قبل أيام قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس " الآن لدينا أوروبا التي نستحقها"، والسؤال: كيف يمكن للاوروبيين بناء الهياكل الأمنية التي يحتاجون اليها؟
المتطلب الأول هو التضامن داخل كل بلد من جهة وبين الـ 28 دولة في الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، ويبدأ ذلك من إيجاد روابط صلة أكبر مع المجتمعات الإسلامية الغاضبة التي تشعر بالتهميش على جدول اهتمام أوروبا. نعم يجب على أوروبا أن تكون أكثر ترحيبا، ولكن هذا هو نصف الأمر ، والنصف الآخر أن المسلمين بحاجة أيضا الى تبني التزامات الإقامة والمواطنة الأوروبية.
فكيف يتأتي هذا التضامن؟ بعد 11 سبتمبر 2001 اختار آلاف المسلمون في الولايات المتحدة التطوع في وكالات الجيش والمخابرات الأمريكية، وعبروا عن نبذهم للأعمال الإرهابية التي ارتكبت باسمهم من قبل تنظيم القاعدة وارادوا ان يثبتوا لأنفسهم ومواطنيهم أنهم أمريكيون مخلصون.
وعلى مسلمي أوروبا الآن أن ينهضوا بخطوات مشابهة، وفي أحياء المهاجرين مثل مولينبيك في بروكسل أو الضواحي التي تحيط بالعاصمة الفرنسية باريس يجب على القادة المسلمين الذين ينشدون التغيير تنظيم حملات لتجنيد جيرانهم في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، ويمكن لهؤلاء القادة إرساء قاعدة عقد اجتماعي جديد يحث المواطنين على إظهار نبذهم لما فعله المتطرفون وأنهم لا يخشون في قول الحق لومة لائم. كما أن المسلمين في أوروبا بحاجة الى الاعتقاد بأن الأمن ملك لهم، لا أن ينظروا الى الشرطة على أنهم جيش محتل.
وغالبا ما يظهر المتطرفون نتيجة ثقافة العنف والترهيب في مجتمعات عصابات من الشبان، ولا عجب أن السلطات البلجيكية ظلت أربعة أشهر تبحث عن عضو تنظيم الدولة الهارب صلاح عبد السلام، ولا عجب أيضا أنهم لم يتوصلوا الى الكشف عن الانتحاريين الذي نفذوا الهجمات الأخيرة بعد أربعة أيام من إلقاء القبض على عبد السلام، على الرغم من انهم كانوا يتشككون في هجوم قادم، ولكن لا أحد يتحدث إلى هؤلاء ، كما لو أنهم مجتمع "الصم والبكم"، كما يحب أن يصف الغوغاء بعض الأحياء العرقية في الولايات المتحدة.
والمتطلب الثاني هو العدل، فالاتحاد الأوروبي هو مشروع النخبة الى حد كبير، ومن ثم فقد ازدهرت الشركات (والدول) القوية أما الضعيفة فتعاني، وعندما يأتي وقت الحساب يطلبون من الفقراء شد الاحزمة. وربما يكون اليونانيون قد استغلوا النظام الذي منحهم دفعة مالية مجانية، إلا أن الألمان أصروا بعد ذلك على فرض خطة مستحيلة لتسديد الديون، كان الهدف منها تلقين المدينين درسا. وكان من المفترض أن يكون الألمان أفضل دراية من ذلك، فخطة العودة العقابية إلى الوطن التي فرضها الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى تسببت في رد فعل قاسي من النازية.
أما المتطلب الثالث لأوروبا أن تكبر في موضوع الإستخبارات، ويبدو أن العديد من الأوروبيين يعتقدون أن الاستخبارات الجيدة تقوم على الطهارة والنقاء أكثر منه بالعمل الجاد والتدخل بالمراقبة في بعض الأوقات. وفي كثير من الأحيان لا تعترض السلطات على التنصت الذي تقوم به الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب طالما أنها لا يجب أن تعترف بذلك لشعوبها، والأوروبيون لا يحبون التحدث عن المخابرات، وكثيرا ما يتظاهرون أن بلدانهم لا تتجسس، وهذا النهج القاصر يجعلهم غير قادرين على المطالبة بمساءلة الأجهزة الأمنية بعد الاخفاقات الاستخباراتية المزمنة مثل تلك التي شهدناها في فرنسا وبلجيكا، فكيف يمكنك إصلاح شيء إذا كنت لا تتحدث بصراحة عن طبيعة عمله؟
والمتطلب الرابع هو شراكة عبر الأطلسي ترتقي الى درجة خطورة هذه الأزمة، فكل أجراس الإنذار تدق، وعلى قادة الولايات المتحدة وأوروبا الإلتقاء في قمة للأزمات ، وقد تكون بروكسل مكان جيدا لإنعقادها، وألا ينفضوا حتى يتفقوا على خطط لجمع وتبادل المعلومات الاستخباراتية معا كي يصبح المواطنون في جميع أنحاء أوروبا أكثر أمنا. أما البيروقراطية، السمة الأوروبية الحديثة، فهي العدو. ولتكوين تحالف قادر على النجاح يجب على الأوروبيين اختراق الحواجز الوطنية والإقليمية والدولية لمحاربة العدو العالمي. ومن الممكن أن يقود الرئيس أوباما، الذي يحظى بشعبية في أوروبا ربما أكثر منها في الولايات المتحدة، هذه الشراكة عبر الأطلسي، لكي يترك إرثا جيدا له.
والمتطلب الأخير هو التفكير في المستقبل والتغييرات التي من شأنها إرساء استقرار أفضل، وحتى إن كان مشابها من حيث الصدمة لعام 1941، إلا أنه يجب أن يكون مماثلا أيضا لعام 1944 من حيث التخطيط للمستقبل - واستنباط معادلات ما بعد الأزمة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة التي يمكنها التعامل مع بركان الغضب الذي اجتاح مسلمي أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، فالمشكلة مترابطة، والحلول تتطلب تبادل الأفكار الحكيمة حول الحكم والتنمية الاقتصادية والتسامح العالمي.
كاتب عمود رأي في صحيفة واشنطن بوست