طرابلس – ش – وكالات
على مدى أكثر من نصف ساعة، ناقش ثلاثة شبان في مقهى في العاصمة الليبية إعلان حكومة الوفاق الوطني نيتها دخول طرابلس رغم معارضة سلطات المدينة، مرددين التكهنات في محاولة للاجابة عن سؤال واحد: كيف؟.
وعلى مقربة منهم، جلس أبو إيهاب (71 عاما) أستاذ علم الأحياء يستمع اليهم بصمت وهو يحتسي الشاي الأخضر في المقهى المقابل لبرج الساعة قرب ساحة الشهداء وسط طرابلس.
وقال أبو إيهاب لوكالة فرانس برس "هناك توتر والناس تشعر بالتعب، وسبب ذلك المشاكل الكبيرة جدا الناجمة عن وجود ثلاث حكومات"، وأضاف "لو وجدت الحكومة (الوفاق الوطني) من يساندها من الناس هنا لدخلت وأصبحت الأمور أفضل ربما، لكن هذا الأمر صعب التحقق. إنما الصبر جميل، والدعاء جميل أيضا".
وأصبحت طرابلس منذ إعلان حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة الثلاثاء عن قرب انتقالها إليها، أسيرة التشويق والترقب حيال هذا الاعلان في برامجها الحوارية التلفزيونية، في مقاهيها ومطاعمها، وفي موقعي تويتر وفيسبوك أيضا.
وتخضع هذه المدينة الساحلية منذ أكثر من عام ونصف لسلطة حكومة وبرلمان لا يحظيان باعتراف المجتمع الدولي، يساندهما تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا".
وترفض السلطات فيها، مثلها مثل السلطات الموازية المدعومة من البرلمان المعترف به في الشرق، تسليم الحكم إلى حكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق سلام وقعه برلمانيون بصفتهم الشخصية في المغرب في ديسمبر على أمل إنهاء النزاع على السلطة الذي أودى بالآلاف.
وانشغلت العاصمة ليل الخميس الجمعة بتقارير غير مؤكدة عن وصول رئيس حكومة الوفاق المقيم في تونس فايز السراج إلى المدينة فجرا، ترافقت مع إعلان سلطات العاصمة "حال الطوارئ القصوى" لمواجهة أي محاولة دخول مماثلة.
وفي ظل عدم إعلان جماعات مسلحة في طرابلس عن دعمها لحكومة الوفاق، يتبادل سكان العاصمة لائحة طويلة من التكهنات حيال كيفية الدخول إلى مدينة تضم مطارا واحدا يخضع لسلطة الحكومة فيها.
وتشمل هذه التكهنات وصول السراج وعدد من وزراء حكومته بمروحية إلى منطقة جنزور عند الاطراف الغربية لطرابلس للاقامة في منتجع "النخيل" الراقي والبقاء فيه بحماية جماعات مسلحة موالية.
وذهب آخرون للقول إن السراج سيصل إلى المنتجع نفسه عن طريق البحر، وبحماية "قوات أجنبية". وانتشر أيضا على تويتر رسم كاريكاتوري يصور السراج وهو يصل إلى طرابلس في مظلة هوائية تحمل شعار الأمم المتحدة.
وتبادل سكان في طرابلس "خبرا عاجلا" ساخرا، مفاده أن بعض قوات العاصمة ستعمد إلى نصب مراوح كبيرة في الصحراء للتسبب بعاصفة رملية تمنع طائرة السراج وحكومته من الهبوط.
ويخشى سكان طرابلس أحداثا امنية قد تترتب على محاولة حكومة الوفاق، التي تقول إنها تحظى بدعم جماعات مسلحة في العاصمة لم تذكرها بالاسم، الدخول من دون توافق إلى مدينتهم التي شهدت قبل اكثر من عام ونصف معارك ضارية في احيائها وشوارعها قبل سيطرة قوات "فجر ليبيا" عليها.
وعمد بعض السكان إلى تكديس المواد الغذائية في منازلهم خوفا من معارك قد تندلع بين الجماعات الموالية للسلطات فيها والجماعات التي قد تندفع نحو دعم حكومة الوفاق.
وكتب على ورقة في متجر غذائي "يمنع شراء اكثر من عشر علب طن للفرد". لكن رغم خشيتهم على الأمن، يتطلع الطرابلسيون إلى ولادة سلطة جديدة، توحد سلطات البلاد في حكومة مركزية فعالة تنكب على وقف الانهيار الاقتصادي الذي باتت معالمه واضحة في المدينة.
*-*
طرابلس الليبية تشهد أزمة سيولة
تشهد طرابلس منذ أسابيع أزمة سيولة في مصارفها تدفع مئات المواطنين إلى الاصطفاف منذ الصباح الباكر أمام أبوابها سعيا لتحصيل مرتباتهم أو سحب بعض أموالهم من حساباتهم فيها.
ويتزامن ذلك مع غلاء في المعيشة في ليبيا الغنية بالنفط، بلغ مستويات قياسية بفعل الاضطرابات السياسية والخضات الأمنية وضعف القدرة على الاستيراد وصعوبة تحصيل العملة الصعبة لشراء المواد الغذائية وغيرها من الخارج.
وبدات تزداد في طرابلس مؤخرا ظاهرة التسول التي لم يعتد الليبيون على رؤيتها في شوارعهم. وفي حي الاندلس الراقي، مرت سيارة بالقرب من فتحي الذي كان يحاول بيع سيارته إلى زبون محتمل، وتوقفت السيارة قبل أن يخرج رجل إلى جانبه امرأة وطفل رأسه من النافذة ويقول له "ارجوك ساعدنا، لم نعد نملك أي مال".
وسحب فتحي أموالا من جيبه واعطاها للرجل ثم قال "كيف وصلنا إلى هنا؟"، وفي خضم الجدل القائم حيال حكومة الوفاق الوطني، ودخولها السباق على الشرعية إلى جانب الحكومتين الاخريين في الشرق وفي طرابلس، برزت في العاصمة دعوات إلى اعادة اعتماد النظام الملكي الذي اطاح به انقلاب معمر القذافي العام 1969.
وانتشرت على جدران بعض احياء المدينة عبارات تدعو للعودة إلى الملكية، بينها "المملكة الليبية تجمعنا"، بينما نظم الجمعة نحو مئة شخص تظاهرة في قلب العاصمة للمطالبة علنا بذلك. وقال نوري الشافي الذي كان يشارك في التظاهرة "لا غالب ولا مغلوب في ظل العودة إلى الشرعية الملكية".