الحلم المصري

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/مارس/٢٠١٩ ٠٥:٣٠ ص
الحلم المصري

أحمد المرشد
ربما يكون دافعي اليوم للكتابة عن مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي هو مجموع مشاهداتي وملاحظاتي اليومية التي تمر بها المحروسة، فبحكم عملي بالقاهرة أرصد ما يجري هناك من أحداث وتطورات متلاحقة يفخر بها كل مصري وعربي. فلم يعد المصريون يخافون من أي نكبة تمر بهم، وسأحدد ملاحظتي الأخيرة علي مأساة جرار القطار الذي اشتعل في محطة مصر مؤخرا، أي في قلب القاهرة وأسفر عن ضحايا وإصابات، فزمان كان المصريون لا يستطيعون التفكير في كيفية تجاوز محنهم ونكباتهم المتلاحقة، ولكن في هذه الآونة تغير الأمر كثيرا، حيث باتوا علي يقين بأن الحل آتي بسرعة بل أقرب من سرعة الضوء، وهو ما حدث بالفعل إذ فاجأهم رئيسهم السيسي باختيار واحدا من أكفأ قيادات مصر حاليا إنجازا وعملا، وهو اللواء مهندس كامل الوزيري- مهندس حفر تفريعة قناة السويس الثانية- ليتولى وزارة النقل بالحكومة المصرية، فهذا الإنسان يدفع ذكره أمام أي متلق إلى أن يطمئن قلبه فعلا مهما كان ملتاعا.
السيسي وبحكم خلفيته العسكرية التي تري الغد من أمس وتخطط له اليوم، كلف وزيره الجديد بإعادة إصلاح مرفق السكك الحديدية خلال فترة زمنية لا تتعدي 15 شهرا ليستعيد هذا المرفق الحيوي في مصر دقة أدائه وانضباطه في 30 يونيو 2020 مع توفير كل عناصر الأمن. ويعرف كل المصريين من هو «الوزيري» فهو أحد أهم معاوني الرئيس ويسمونه «ضابط الإيقاع» لكل مشروعات مصر القومية، إذ يتابعها على مدى الساعة ويعرف كل تفاصيلها الدقيقة.. وكما معروف عن السيسي أنه يفكر دائما في الأبعد فكان اختياره قائدا عسكريا لمهمة مدنية لإصلاح قلب القاهرة أو قلب مصر موفقا وأثلج صدور المصريين، في إطار خطة متكاملة لحل كل مشكلات مصر ليكون مستقبلها باهرا وفق خطة شاملة لتحقيق نهضة شاملة في «أم الدنيا» تربط بين الواقع والعلم والخيال، ليتم ترجمة أحلام المصريين بتحسين جودة نمط حياتهم اليوم وغدا لأجيال المستقبل.
ربما كان مدخلي للحديث عن مستقبل مصر الواعد محليا نوعا ما، ولكننا ننتقل من تلك المحلية إلى العالمية، فمصر علي موعد قريبا لتكون ضمن مجموعة العشرين الاقتصادية، التي تضم أغنى الاقتصاديات وأعلى معدل نمو في العالم، وقد أصبح هذا أمرا مفروغ منه بسبب تحركات مصر تحت قيادة رئيسها السيسي لتحقيق أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل، فمصر قد بدأت هذا البرنامج قبل سنوات بهدف إعادة بناء الدولة علي أسس اقتصادية سليمة بالتزامن مع تدشين مشروعات تنموية عملاقة لإعادة صياغة الخريطة الاقتصادية لكي تتبوأ مصر مكانتها العالمية وتغيير واقعها الاقتصادي إلى الأفضل. ولم يبدأ مشروع مصر الاقتصادي من فراغ، فقد سبقه إعداد ودراسة جيدة للفرص الاستثمارية الواعدة في جميع القطاعات وسن التشريعات الاقتصادية اللازمة لجذب المزيد من الاستثمارات والخبرات العالمية المتقدمة الى قطاعات الاقتصاد المصري.. وقد أًصبح المشهد الاقتصادي الراهن رائعا بفضل هذا الإعداد الجيد، إذ استغلت القيادة المصرية كافة المقومات التي تتمتع البلاد لترفع حجم الاستثمارات الأجنبية.
لم تكن الإنجازات الاقتصادية في مصر بعيدة عن دورها العربي والإقليمي والإفريقي والدولي، فكان من أهم سمات السياسة الخارجية المصرية في عهد رئيسها السيسي إقامة علاقات متوازنة وقائمة على الاحترام المتبادل مع جميع الشركاء من عرب وأفارقة ودوليين، مع فتح مجالات جديدة للتعاون، هذا رغم استهداف الجماعات الإرهابية مصر التي تتحمل مهمة مواجهة أعتي المنظمات الإرهابية في العالم نيابة عن العالم، وقد نجحت الضربات الأمنية بالفعل في إجهاض مآرب المنظمات الإرهابية وداعميها ومموليها الذين ينظرون لمصر بمنظور ضيق يهدف للإساءة إليها وتصوير الأمور بشكل مغاير للحقيقة، بهدف الانتقاص من دورها الإقليمي والدولي وعزلها عن محيطها.
بدأت بالكتابة عن مصر بحدث محلي وهو تحديث شبكة السكك الحديدية، فلأنها تنقل يوميا ملايين المصرين من مدنهم وقراهم إلى المدارس والجامعات ومقار العمل وخلافه، وكيف اطمئن المصريون لنجاح خطة التحديث في أقرب وقت.. ثم أشرت إلى النهضة الاقتصادية التي تشهدها مصر حاليا وكونها قريبا ستكون في مجموعة العشرين الاقتصادية عضوا فاعلا وليس مراقبا.. وهنا نأتي إلى إنجاز مصري آخر لا يقل أهمية عما سبق وهو اضطلاعها بدورها الإفريقي بعد غياب طويل عن هذه الساحة المهمة لها على مدى سنوات طوال، فتباعدت إفريقيا والأفارقة عنها، ولكن إفريقيا والأفارقة عادوا إلى الحضن المصري حتى قبل تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى الشهر الماضي، وذلك وفق خطة شاملة قدمتها الدولة المصرية للنهوض بالقارة الإفريقية تعتمد على تهيئة المناخ لعملية التنمية المستديمة عبر توفير الأمن والقضاء على بؤر التوتر والصراعات والعمل علي إنهاء الحروب الأهلية، تلك الآفة الإفريقية التي تسببت في عمليات نزوح قسرى وتهجير وهجرة ضخمة تركت ندوبا يصعب محوها في حياة الأطفال والنساء والضحايا الذين تفتك بهم الصراعات. وقد ركزت مصر أيضا على ضرورة أن تعتمد عمليات التنمية المتوقعة في القارة على بسط السلام والاستقرار لكافة شعوب القارة خاصة بعد أنهكتها الصراعات والحروب.
لقد استعادت مصر في أثناء فترة رئاسة السيسي التقدير الدولي- أوروبيا وآسيويا وإفريقيا وأمريكيا وروسيا- يليق بها بحكم دورها التاريخي والحضاري، ونجحت في تطبيق برنامجها للإصلاح الاقتصادي لتحقق معجزة اقتصادية خلال أعوام تعد علي أصابع اليد الواحدة بشهادة صندوق النقد والبنك الدوليان والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، لتصبح «أم الدنيا» واحدة من أهم الاقتصادات الواعدة بعد أن وفرت ليها القيادة السياسية كلا ما يلزم من بنية أساسية قوية ومتطورة وأمن واستقرار رغم ما مرت به من أزمات وصراعات داخلية ومواجهة شاملة ضد الإرهاب الذي نجحت ضرباتها الأمنية المتوالية في نزع أشواكه وسمومه وتستأصله من أهم معاقله بمنطقة شمال سيناء وبعض المناطق الحدودية مع ليبيا، لتلحق بالإرهاب والإرهابيين وكل من يمولهم ضربات خسائر جسيمة.
لقد رسم السيسي لمصر صورة جديدة، صورة تملؤها البهجة وحب الغد، صورة خالية من الهموم والأزمات والإرهاب، صورة يستعيد المصري عندما ينظر إليها حلم كاد أن يفقده.

كاتب ومحلل سياسي بحريني