التشغيل مسؤولية الجميع !!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/مارس/٢٠١٩ ٠٩:٢٢ ص
التشغيل مسؤولية الجميع !!

علي بن راشد المطاعني

يكتسب إنشاء المركز الوطني للتشغيل الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 22/‏2019 أهمية كبيرة ‏على العديد من الأصعدة والمستويات الرسمية والشعبية، ولعل من أهمها تجسد الاهتمام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- بتوظيف الكوادر الوطنية وبلورة كل الأطر والتشريعات الهادفة إلى الارتقاء بهذا الجانب إلى المستويات التي تحقق آمال وتطلعات أبناء الوطن في إيجاد فرص عمل في وطنهم من خلال إنشاء هذا الصندوق الذي سيجمع كل الجهات المعنية بالتوظيف في القطاعين العام والخاص وكافة الأجهزة الأمنية والعسكرية مما سيبلور جهدا مشتركا لإيجاد وتنزيل الحلول العملية للتوظيف لأرض الواقع، وسد كل الثغرات التي ظلت مفتوحة ويتسلل منها بعض المتحايلين على هذه الأنظمة، الأمر الذي يفرض على الجميع إنجاح هذه الجهود و العمل سويا في تحقيقها كلا من جانبه من خلال الوعي لمقتضيات تداعياتها و ضرورة تمكين أبناء الوطن من العمل في وطنهم و الالتزام من جانب الشباب بقيم العمل وأخلاقياته.

من أهم الدلالات أن مسؤولية التوظيف في القطاعين العام والخاص ارتقت لتغدو مسؤولية حكومة كاملة النصاب، إذ يضم مجلس إدارة المركز عشرة أعضاء من القطاعين العام والخاص في إطار الشراكة بينهما، وستمثل الجهات ذات الصلة بالتوظيف الجانب الحكومي فيه، والنقطة الأخرى بالغة الأهمية هي أن المركز يتبع مجلس الوزراء ولهذا دلالة لا تخطئها العين على الاهتمام الذي يحظى به من قبل الحكومة وعبر أعلى المستويات، وهو ما لم يحدث في بلدان عدة ان تجد هذا التعاطي الحكومي الإيجابي مع قضية التشغيل ، يجب أن يلقى كل التقدير المقرون بالنهوض بالواجبات الوطنية من كل المعنيين بهذا الجانب في المرحلة الراهنة تتطلب أن نظهر الكثير من بالواجبات التي ينهض بها الجميع بدون تمنن .
ومن الدلالات الإيجابية للمركز هي إنه سيكون موفرا ومنسقا لفرص العمل للمواطنين من خلال استعراض الفرص المتوفرة في القطاعين العام والخاص ، سيما وأن المرسوم وفي المادة الخامسة منه ألزم الجهات الحكومية والشركات موافاة المركز بالفرص المتوفرة لديها ، وهذا يعني أن التوظيف سيغدو عن طريقه بدلا من التوظيف المباشر من جانب الجهات والشركات وبنــــحو غير منظم وغير مرصــــــود لدى للجهات المعنية، ولعل من التطورات المهمة أنه سيصبح بمثابة محطة واحدة للتشغيل في السلطنة تقدم خدمات متكاملة للباحثين عن عمل وفتح مراكز تشغيل في المحافظات وإيجاد مراكز توظيف تدار من القطاع الخاص وتنظيمها بشكل يسهم في رفد الجهود المبذولة لإيجاد فرص عمل للشباب العُماني لكي تتكامل كل الجهود لمرحلة طويلة من العمل الوطني مما يعني ان المرحلة القادمة ستكون أكثر ديناميكية في العمل الوطني في هذا المجال.
ومن الجوانب المهمة أيضا توفير التوجيه التوظيفي للباحثين عن عمل عبر أخصائيين اجتماعيين لدراسة متطلبات وتطلعات الشباب وتوجيههم إلى الأعمال المتوفرة وفقا لمؤهلاتهم وميولهم ورغباتهم ، فضلا عن إلحاقهم ببعض البرامج التدريبية لصقل قدراتهم لتتواكب مع متطلبات الأعمال في خطوة مهمة لربط التدريب بالعمل في منظومة متكاملة موحدة لمعالجة الاختلالات في التوظيف وتقييم المتقدمين وتوجيههم نحو المسار الصحيح وهذا جانب في تقليل الفاقد من كل المخرجات على اختلاف تخصصاتها.

سينتهج المركز الوطني للتشغيل سياسة الإحلال للوظائف في القطاعين معا ، وهذا يعد تطورا إيجابيا سوف يسهم في إحلال وتعمين آلاف الوظائف التي مابرحت تشغلها العمالة الوافدة من خلال برامج واضحة وممنهجة بشكل منظم بالتعاون بين الجهات الحكومية و لقد بدات خطوات ذلك بدعوة الف ممرض و مئات من الصيادلة للتاهيل عبر الصندوق الوطني للتدريب بهدف أحلالهم وهناك بوادر طيبة من عدة جهات كديوان شؤون البلاط السلطاني أيضا في احلال كل الوظائف المهنية بمواطنين في مجالات الزراعة و غيرها من الخدمات المساندة ، وعدم استقدام عمالة وافدة في حالة توفر ما يوازيها مواطنا سيما وأن المركز سيناط به وضع التشريعات اللازمة والمنظمة للمهن التي يمكن تعمينها آنيا وفي المستقبل.

وسيعني المركز ببعض الفئات كذوي الإعاقة وذوي الدخل المحدود وأصحاب التخصصات الغير مرغوبة في سوق العمل عبر طرح برامج تأهيل وتطوير للقدرات لتمكن هذه الفئات من ولوج أبواب العمل في كافة قطاعات الدولة و هنا تمتد خدماته الى تمكين الكوادر التي يرفضها سوق العمل من خلال منظومة تاهيل تسهم في استيعابهم في مجالات العمل المختلفة.
فالمركز عمله بحول الله في يناير 2020، كانطلاقة حقيقية بعد استكمال كل الخطوات الممهدة لعمله من كافة الجوانب و متهياة من الاطراف.

فهذه الخطوة يجب أن تحظى بتفاعل إيجابي من جانب المستهدفين، وأقلها إظهار الجدية والصميمية في العمل والقبول بأي عرض متاح والسعي من خلاله لتطوير الذات تطلعا إلى الأفضل والأحسن مع مرور الوقت ومع إكتساب الخبرات وصقل الموهبة وشحذ ملكات الإبداع والخلق والابتكار والتجديد.

فهناك جهود يجب أن تبذل من أطراف الإنتاج الأخرى كأصحاب العمل و الشباب في إنجاح هذه الجهود وبلورتها على أرض الواقع عبر الالتزام بقيم العمل وأخلاقياته و السعي نحو تكامل الأدوار بين كل المختصين بالتوظيف ، فلا يمكن أن ينجح من طرف واحد مهما كانت امكانياته و تضحياته ما لم يكن هناك تفهم ووعي للالتزامات الوطنية و الاجتماعية و الأمنية لهذا الموضوع .
نأمل أن تكلل هذه الجهود الخيرة بالنجاح والتوفيق وأن يحقق المركز الوطني للتشغيل كل الأهداف الوطنية الخيرة التي يسعها إليها بتكاتف وتلاحم الجميع ..وهو ما نتطلع اليه من كل الأطراف ان تكون فاعلة بما يكفي في هذا الملف المهم ، فالأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها وأيضا بتضحيات منهم في كل ميادين العمل.