التوظيف والفصل

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٣/مارس/٢٠١٩ ٠٤:١٥ ص
التوظيف والفصل

سمعان كرم

في كل ندوة، في كل اجتماع، في كل لقاءٍ نتكلم فيه عن التوظيف والفصل يطالب القطاع الخاص السماح له بفصل العامل أو الموظف الذي لا ينتج في العمل كما زملائه، وفي كل مرة يجاوب المسؤولون أن قانون العمل يسمح بالفصل إذا ما أُتبعت طريقة الإنذارات المنصوص عليها. إذا كان الأمر بتلك البساطة، لماذا إذن يعاد بحثُه كل مرة؟

المشكلة تكمن في أمرين، الأول أن القانون فعلاً يسمح بفصل العامل في حالات عديدة لكنه لا يذكر شيئاً عن الفصل من قلة أو ضعف الإنتاجية، والثاني يقع في مفهوم تطبيق نصوص القانون.

القطاع الخاص ينتظر من العامل كميةً من العمل متعارفٌ عليها ويدفع بالمقابل أجراً متفق عليه حسب نصوص عقد العمل بين الطرفين، ولا يدفع معاشاً لوظيفة بالمطلق لأنه، أي القطاع الخاص، يأتي دخله من كمية العمل بغض النظر إن كان العامل حاملاً شهادة جامعية أو دبلوماً مهنياً أو حتى إن كان بدون شهادة. قد تتفاوت قيمة كل عملٍ لكن كمية العمل -أي الإنتاجية- تبقى هي المقياس. ولا يأتي دخل القطاع الخاص من عدد الوظائف ومستويات المعاشات فيها. فالمقاول يستلم ثمن كمية الردم أو الحفر أو حجم الخرسانة، وصاحب سيارة الأجرة يستلم ثمن خدمته حسب المسافة التي يقطعها، وصاحب المطعم عن كمية الأكل الذي يقدمه. لا أحد في القطاع الخاص يستلم مردوداً لأن لديه عدداً من الموظفين، بل عن كمية العمل الذي قاموا به. لذلك عندما تأتي الحاجة إلى العمل الإضافي (Overtime) يدفع صاحب المؤسسة أو الشركة مبلغاً إضافياً مقابل ذلك العمل. إذن تبقى كمية العمل هي المقياس -أي الإنتاجية. لذلك أيضاً عند انتهاء العمل، لا يمكن للقطاع الخاص أن يحتفظ لفترة طويلة بعماله إذا انتهى عقده ولا يرى في الأفق أعمالاً جديدة فيصرف من العمل قليلي الإنتاج لأنه فعلاً لا يستلم أجراً عن الوظائف بل عن كمية العمل وإلا كان قد تركهم في الوظيفة إلى سن التقاعد. هذا التفاوت عند البعض بين مفهوم الوظيفة وكمية العمل هو عنصر رئيس في الإشكالية أي أن نفس الوظيفة لا تستحق نفس المعاش تلقائياً بل نفس كمية العمل تستحق نفس الأجر. القانون صامتٌ عن تلك الحالة رغم أهميتها القصوى للقطاع الخاص. نتيجة ذلك ليست فقط فقدان كمية من العمل بل إن هذا العامل يجعل الشركة في موقع حرجٍ غير منصفٍ لرفاقه المنتجين وبالتالي وكأن ذلك العامل يدعوهم إلى التصرف مثله. علماً أنه يحتل وظيفة يمكن من الكثير من الباحثين عن العمل أن يقوموا بها على أكمل وجه.

نعترف أنه من الصعوبة بمكان فصل عاملٍ على أساس عدم الإنتاجية وهناك صعوبة في الإثبات. ما الحل إذن؟

والمسألة التي يتذمّر القطاع الخاص منها هي متعلقة بالرأي السائد بأن العمل يشكّل الحلقة الضعيفة في حلقة الإنتاج. قد يكون هذا الرأي صحيحاً في الماضي أما اليوم وبالتدخل المحق من المسؤولين فقد أصبح العامل يستلم معاشه على الوقت وعن طريق البنوك وعنده نقابته التي تدافع عن حقوقه وهو مضمون اجتماعياً وقريباً صحياً إن شاء الله ويتمتع بعطف الإعلام والمجتمع والسكن اللائق متوفرٌ في كثيرٍ من القطاعات وكذلك يوفَر الأكل والشراب في الشركات الملتزمة العاملة بالمناطق النائية. فلم يعد ضعيفاً بل أصبح طرفاً قوياً والحمد لله، له كرامته واحترامه. لذلك يجب أن نعامله على هذا الأساس في السعي إلى حلِّ النزاعات العمالية إن كان ودياً أو في المحاكم. بتعبير آخر وعند الفصل من العمل يجب أن نبحث عن الحق بموجب القانون وليس من منطلق العواطف الرحيمة للعامل والكيدية لرب العمل، صغيراً كان أم كبيراً.
الحل يكمن بتحديد سقف أعلى للتعويض عن الفصل الناجم عن عدم الإنتاجية، كما كان الوضع سابقاً، مع وضع آليات تمنع استغلالها فمن أراد أن يفصل عاملاً لسبب عدم الإنتاجية أو لأي سبب آخر عليه أولاً أن يوظف مواطناً آخر بنفس الشروط كي لا تنخفض نسبة التعمين في المؤسسة أو الشركة. وفي تلك الحالة يدفع رب العمل تعويضاً محدداً (راتب ثلاثة أشهر مثلاً) إما للعامل مباشرة أو من المفضّل إلى صندوق التعطل عن العمل حين يتم إنشاؤه. خلال فترة التوقف عن العمل يتقاضى العامل معاشاً محدداً ريثما يجد عملاً جديداً إما بنفس الاختصاص أو يؤهل نفسه لاختصاصات أخرى. بهذه الطريقة يعرف مسبقاً كل من الطرفين نتائج ضعف الإنتاجية إن حدثت وتكلفة الصرف من الخدمة من جهة أخرى وتلغى بالتالي كلمة تعسفي. وبهذه الطريقة أيضاً تزيد إنتاجية المواطن وتزيد رغبة الشركات بإحلال المواطنين مكان الوافدين.
يستحق موضوع التوظيف والفصل حواراً مجتمعياً متوازناً بين أطراف الإنتاج الثلاثة فيتحمّل كل منهم مسؤولياته.