الاكراد .. هوية ام دولة ؟!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٩ ص
الاكراد .. هوية ام دولة ؟!

علي ناجي الرعوي

هل سنفيق ذات صباح على ولادة دولة كردية في المنطقة ؟ وهل ستنشأ هذه الدولة على غرار المشروع الامريكي الذي انتج دولة جنوب السودان او المشروع البريطاني (وعد بلفور) الذي مكن اليهود من ارض فلسطين عبر قرار التقسيم عام 1947م ؟
مثل هذه التساؤلات ربما تكون صادمة للبعض لكنها واقع سيحدث الان او بعد شهور او في اقرب فرصة تتاح لإعلان هذه الدولة التي ستضم في بدايتها 40 مليونا من ابناء القومية الكردية الذين يتوزعون في اربع دول متجاورة بعد ان توفرت الكثير من العوامل التي تجعل من قيام هذه الدولة واقعا يتجسد على الرغم من بعض التحفظات العربية المكبوتة والمعارضة التركية الشديدة وضبابية الموقف الايراني سيما في ظل التحضيرات والخطط التي تطبخ على نار هادئة في عواصم الدول الكبرى التي لاشك وأنها من توافقت اخيرا على اعادة رسم خارطة منطقة الشرق الاوسط بالاستفادة من التداعيات والتطورات الدراماتيكية التي تشهدها هذه المنطقة منذ سنوات وغدت لديها القناعة من ان الخارطة التي رسمت بعد الحرب العالمية الاولى لم تعد منطقية ومقبولة في حساباتها البراغماتية التي تخشى معها من انهيار التوازن الاقليمي بين اطراف المثلث ( العرب ، تركيا ، ايران) ولذلك فان قيام دولة كردية فاصلة بين اطراف هذا المثلث هو من قد يسهم في الحفاظ على هذا التوازن ويحافظ على مصالحها في هذه المنطقة الملتهبة بالمتناقضات.
لذلك لم يكن اعلان اكراد سوريا قبل ايام للشمال السوري اقليما فيدراليا منسلخا عن الاطار الجغرافي للوطنية السورية مجرد مغامرة غير محسوبة بل ان كل الدلائل تشي الى ان ما قامت به تلك القوى الكردية بدءا باستحضار تجربة كردستان العراق ومرورا بترتيب بيتها الداخلي وانتهاءا بالسيطرة الكلية على المناطق الكردية وفرض خيار الفيدرالية كأمر واقع وإنما هو الذي تم بضوء اخضر من العواصم الكبرى حتى وان لم تصرح بذلك علنا او ظهرت كمن يعارض تلك الخطوة لكونها من تدرك الحاجة الى التريث في هذه المرحلة حتى ينجلي غبار المشهد السوري وتتضح ملامح مسارات التفاوض في جنيف الذي يعد الاكراد الغائب الاكبر فيه.
لا نبالغ ان الكرد في العراق وسوريا باتوا يشكلون قوة حليفة لواشنطن والغرب عموما في الحرب الجارية ضد تنظيم (داعش) وان الولايات المتحدة وباريس ولندن باتت تعتمد عليهم بشكل كبير في تحقيق اهدافها في هذه الحرب وبالتالي فان التطورات الاخيرة في سوريا والتي توحي بقرب تكوين اقليم خاص بالأكراد تعيد الى الذاكرة السيناريو الامريكي في العراق حينما عمدت واشنطن الى تحفيز الاكراد على المطالبة بالحكم الذاتي والخروج من تحت عباءة الدولة المركزية في بغداد وهو ما دفع بهم فعلا الى اقتناص تلك الفرصة والبدء في تأسيس دولتهم الكردية (اقليم كردستان العراق) بعد سقوط حكم صدام حسين عام 2003م وهو الاقليم الذي قويت شوكته وأصبح يتمتع الان بمزايا الاستقلال فهو من صار له علمه ودستوره ونشيده القومي وجيشه وبرلمانه ومنافذه الحدودية التي يسيطر عليها الى درجة ان لا احدا من ابناء المحافظات العراقية الجنوبية يمكن له دخول هذا الاقليم من دون ضامن كردي والحصول على الاذن المسبق مع ان ذاك الاقليم يحصل على 17% من عائدات نفط الجنوب في الوقت الذي يحتفظ بكل موارده الذاتية.
ثمة من يعتقد ان تركيا التي تعتبر المتضرر الابرز بعد العرب من قيام دولة كردية في خاصرتها بوسعها اجهاض هذا المشروع الذي سيعزلها عن المحيط العربي الا ان ذلك الاعتقاد يتضاءل حد الذوبان اذا ما علمنا ان تركيا اليوم غارقة بالكثير من المشاكل الداخلية التي تضعف من قدراتها على اجهاض الحلم الكردي وبالذات وان واشنطن تعلم جيدا ان دعمها لقيام دولة مستقلة للأكراد سيجعل منها حليفة لها وللغرب ولإسرائيل في منطقة استراتيجية تبدي قدرا من الكراهية المتنامية لسياساتها هذا ان لم يفسح قيام هذه الدولة امامها لفرض نفوذها كلية على فسيفساء هذه المنطقة التي تتنازعها الصراعات المذهبية والقومية والطائفية والجهوية والعشائرية.
وإذا ما فتشنا في الموقف العربي سنجد ان هذا الموقف منقسم على نفسه فهناك جانب من العرب تنتابه المخاوف من قيام دولة كردية في المنطقة الى الحد الذي يعتبرها (اسرائيل الثانية) فيما لا يتردد الطرف الاخر من الدعوة الى القبول بـ(الجار الجديد) الذي يربطه بالعرب تاريخ قديم ومشترك مستندا في حجته الى ذلك التاريخ هذا ان لم يجزم من ان قيام دولة كردستان الكبرى من شأنه انهاء الصراع العربي الكردي وتعميق الثقة بين الطرفين.
ورغم كل ما يطرح فان تأسيس دولة كردية تبدأ بالعراق وتمتد الى سوريا لتشمل بعدها تركيا وإيران لم يعد مجرد هاجس او وهم فالواضح ان الدول الكبرى ماضية في تحديد التوقيت لقيام هذه الدولة بصرف النظر عن التأثيرات الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية التي ستنسحب على اطراف المثلث (العرب ، تركيا ، ايران) بعد ان تجاوز الامر الاعتبارات الذاتية لمن ينتمون لهذه الهوية والقومية الى ترتيب المصالح الدولية في منطقة الشرق الاوسط والتي من معطياتها ايجاد واقع اقليمي جديد تكون احد ركائزه الاساسية دولة كردية تكون لها حدودها وجغرافيتها وسيادتها.

كاتب يمني