من الحسين إلى باب البحرين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:١٠ ص
من الحسين إلى باب البحرين

أحمد المرشد
من قهوة المالكي بحي الحسين في القاهرة الساحرة الى مقهى حاجي بباب البحرين في مملكتنا العامرة تاريخ طويل عبر اكثر من قرن من الزمان وأنا دائما أحمد ربي على كوني مواطنا بحرينيا عشت في المحرق أحلى سنين عمري وانتمي الى هذا البلد العظيم، البحرين.. ثم كوني عاشقا للقاهرة بحكم زياراتي شبه الدائمة لها ثم عملي الدائم حاليا بها، ومن هنا كان لي زيارات شبه دائمة لحي الحسين قلب قاهرة المعز لدين الله، وإن كنت قد ذكرت كلمة الحظ فهذا لما وهبني المولى عز وجل من أصدقاء اقل ما يقال عنهم بحق أشقاء العمر الذين لا نستغني عنهم مهما باعدت بنا الأيام، فمصيرنا الالتقاء دوما حتى ولو حين، فالجلوس والسمر معهم يتواصل ويتجدد، فبعد الاشتياق تأتي اللقاءات لتذيب ما افتقدناه من جلسات ود وسمر، ومهما باعدت بنا الأيام هي نفسها تعيدنا لبعضنا مرة أخرى أو لسيرتنا الأولى كما يقال.
اللقاءات تتواصل في المنامة والمحرق والقاهرة، وخلال زيارتي للبحرين هذه المرة أصر رجل الأعمال أحمد عبد الرحمن أجور وأخوه نبيل أن يكون لقاء الأصدقاء في مقهى حاجي بباب البحرينيين كما يكون بحي الحسين حيث سرني الالتقاء بأخوة وأصدقاء يعشقون القاهرة وزيارة حي الحسين منهم المهندس المعماري المبدع احمد عبد الكريم بوجيري وعبدالله عبدالكريم الملا والأخ العزيز وليد الريس ونعمان الحسن ومحمد العامر امتدت سهرتنا لوقت طويل استعدنا فيها ذكريات جميله لأيام الشباب وكيف كانت مجالس الأوليين وأيام ولت بحلوها ولا أقول بمرها فالصحبة الجميلة تمر علي الـُمرء وتحليها كما يقول المثل الشعبي.
مقهى حاجي من المقاهي الشعبية في البحرين فهو مكان اللقاء الدائم بين الصحبة الجميلة، ففيه يجتمع كل البحرينيين، صغيرهم وكبيرهم، فقيرهم وغنيهم، فهو معلم تراثي بحريني مهم، ربما لكونه أقدم مقهى ومطعم حيث تأسس عام1950 في مواجهة مباشرة مع البحر، فكان يقصده كل البحارة والصيادين، وحاول ملاك المقهى تطويره فغيروا كيانه ليكون مقهى ومطعما شعبيا، فاسم غلام حسين حاجي يعرفه الجميع بدأ مقهاه بباب صغير جدا في مساحة لا تعدو أمتار قليلة ليستقر مطعمه الشعبي في باب البحرين بقلب العاصمة في خمسينيات القرن الفائت، ثم توسع تدريجيا، ليقدم حاليا نحو 36 وجبة مع لمسات وإضافات خاصة لمسايرة الجيل الجديد مع الاحتفاظ بالوجبات التقليدية التي لا ينسي معها أولاد اليوم مأكولاتنا زمان..ويكتب للمقهى والمطعم الذي يرتاده الجميع ان كل من يلتقي فيه يستعيد ذكريات الماضي ، فالمقهى يتميز بمأكولات شعبية مألوفة يحبها الجميع. هذا بالإضافة الى ميزة يتفرد بها مقهى ومطعم حاجي وهي أن الأطباق غير متشابهة وهنا تشعر وكأنك تأكل في منزلك حيث البساطة، فمن الطبيعي ألا تتشابه الأطباق علي نفس المائدة الواحدة في بيوتنا وهو ما نجده لدي حاجي.
ولعل من مميزات المطعم هو تصميم أصحابه على أن تكون الوجبات طازجة يوميا، وربما لهذا السبب أو تلك الميزة اعتاد البحرينيون منذ نشأة المقهى أو المطعم ارتياده لينتشر اسم «حاجي» لخارج الحدود وليكون معلما سياحيا في قلب المنامة على بعد خطوات من بوابة البحرين.
وإن كنت تحدثت عن مقهى ومطعم حاجي، فهذا يدفعني للحديث أيضا عن «جلساتي» المفضلة بحي الحسين مع رفيق مشواري في العمل السفير خليل الذوادي.
حي الحسين الذي ما أن تطأه قدماك حتى يغمرك شعور بالسعادة، فهو حي عتيق تلتقي فيه بوجوه مبتسمة رغم ما يعتريها من شقاء، وجوه تبتسم في وجهك وإن كانت لا تعرفك، فهذه عادة المصريين أو لنقل عادة رواد الحسين، فهم يذهبون لقضاء أمسية طبية بعيدا عن منغصات الحياة مهما كانت قسوتها، وإذا ذهب المصريون الى هذا الحي فهم ينسون أو يتناسون مشكلاتهم لبعض الوقت. ولعلي أنقل هنا مشاعري وأنا بطريقي الى الحسين، فهي مشاعر يمتزج بها الفرح بالسعادة، لأني على موعد مع البسمة وقضاء وقت طيب بصحبة أصدقاء أعزاء، فلا يأتي صديق لي من البحرين الى القاهرة وإلا كان لنا لقاء بالحسين، وأحيانا نسير في أجناب المسجد الكبير حتي ندلف الى خان الخليلي بمحاله الشهيرة التي تضم كافة أنواع التجارة من منتجات يدوية الى مكتبات الى ذهب وفضة ومقاهي عتيقة وحديثة وأسواق مختلفة مثل العطارين والنحاسين وسوق التوابل الهندية والعود الخليجي، ناهيك عن منتجات خان الخليلي المميزة ومنها الفرعونية والإٍسلامية وحوانيت بيع ورق البردي والتحف والأيقونات والعطور المختلفة من عربية وآسيوية وأوروبية، وقد أضيف هنا منتجات لا تخلو من لهو وهي بدل فن الرقص الشرقي التي تشتهر بها منطقة الحسين وهي سلعة رائجة هناك وتشهد إقبالاً من المصريات والسياح الأجانب والعرب.
وتتشابه مقاهي المالكي وحاجي في مرتاديها، فيقصدها أهل البلد والعرب والسياح الأجانب وكافة الشخصيات الرفيعة التي تزور القاهرة والمنامة، فلا تكتمل الزيارة بدون الجلوس علي المالكي أو حاجي، كما يرتادها جميع شرائح المجتمع. كما يتشابه المكانان بأن جدرانهما لم يطرأ عليها أي تعديلات حفاظا على الشكل التراثي، فالألوان قديمة لم تتغير حتى يشعر روادهما بعبق الماضي ويستذكرون بذلك زمن الطيبين.
ربما الاختلاف بين المالكي وحاجي في كون الأول يعمل كمقهى يقدم المشروبات الساخنة والباردة والشيشة ويتميز في الشتاء بتقديم المشروبات التي تبعث علي الدفء مثل السحلب والقرفة والكاكاو كما يطلق عليها المصريون، في حين يتميز حاجي بكونه مقهى وتطور ليكون مطعما في نفس الوقت ليقدم المأكولات التقليدية الشعبية .المقاهي الشعبية تعد مدارس اجتماعية تتخالط فيها الأفكار والثقافات والتجارب الشيء المفرح بحق هو عشق البحرينيين للحسين وإصرارهم علي الجلوس في مقاهيه العامرة بروادها .. خلال زيارتي هذة المرة للبحرين احسست بفيض مشاعر الاهل والأخوة والأصدقاء ومحبتهم التي غمروني بها لدرجة اني شعرت ان هذه الزيارة وكأنها ساعات وليس أيام قضيتها بينهم بكل الحب.

كاتب ومحلل سياسي بحريني