عمان أسئلة مهمة تبحث عن أجوبة (٣)

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٤٨ ص
عمان أسئلة مهمة تبحث عن أجوبة (٣)

مرتضى بن حسن بن علي
خطة ١٩٧٦- ١٩٨٠، كانت أول خطة خمسية في تاريخ عمان الحديث، ومن ضمن اهم أهدافها كانت تنمية مصادر جديدة للدخل القومي تقف إلى جوار الإيرادات النفطية وتحل محلها في المستقبل والاهتمام بتنمية الموارد البشرية المحلية حتى تتمكن من القيام بدورها كاملا في الاقتصاد العماني وغيرها.

وقد تكررت نفس الاهداف ولكن بصورة اكثر تفصيلا في كل الخطط الخمسية التالية، كما كانت محور نقاشات عميقة ومكثفة خلال عامي ١٩٩٤-١٩٩٥، قبل الإعلان عن الرؤية المستقبلية لعمان- عمان ٢٠٢٠.

ومن متابعة النقاشات الجارية فان السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار: ما سبب عدم قدرتنا من تحقيق تلك الأهداف بصورة كاملة؟
في الحقيقة جرت محاولات عديدة، لتحقيقها وتطويرها، لتكون الأهداف متناغمة ومنسجمة مع التحديات الكبيرة التي نواجهها ومنسجمة مع ما يجري في العالم من تطورات مستمرة ومذهلة وسريعة، وذلك من خلال دراسات وتقارير محلية ودولية ومؤتمرات وندوات وتوصيات وقرارات ومقالات، التي انطلقت بصورة تصاعدية منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، اي على مدى اكثر من العقود الثلاثة الماضية، وما زالت مستمرة، دون ان تحدث تأثيرا مطلوبا وملموسا، كما ان قضية تحقيق تلك الاهداف، احتلت وما زالت تحتل جزءًا كبيرا ومتقدما من اهتمامات المثقفين ورجال الأعمال، اضافة انها كانت تُذكر بطريقة واضحة، عند الاعداد لكل الخطط الخمسية اللاحقة. وحينما نطالع الصحف ونستمع الى ما يطرح في اللقاءات عبر الاعلام المرئي والمسموع، وما يتداول الان في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فان الحديث ينساب بمرارة عن واقع ما تحقق في الجانب النوعي على الاقل من الاهداف واسباب عدم قدرتنا على تنويع مصادر الدخل وبقائنا معتمدين على النفط، وهو حديث ينتهي بالاغلب الاعم الى اعادة التأكيد على ان الطريقة التي اتبعناها وما زلنا، غير قادرة على وضع الاستراتيجيات والسياسات والخطط للتنفيذ، لكي نكون قادرين على مواجهة التحديات المتعددة التي نواجهها، او قدرتنا على المنافسة بصورة فعالة في سوق العمل، او المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية او تنويع مصادر الدخل.
كل ذلك يشير -وربما يؤكد- أن الخطط والقرارات والمناقشات والتقارير والندوات، لم تصل في عمقها الى جذور مشاكل عدم قدرتنا على الوصول الى تلك الاهداف، وهي جذور متراكمة، كما لم تحاول دراسة ومن ثم مواجهة العوامل الهيكلية والمؤسسية والتنظيمية والثقافية والبيئية والادارية التي تعيق تطوير المشاريع. إن الاتفاق على ضرورة تطوير الاقتصاد او التعليم او تنويع مصادر الدخل او ايجاد قوة بشرية مؤهلة، لا تتبعه-عادة- نقاشات جدية، من خلال طرح الاسئلة الجوهرية لتشخيص مواطن الخلل وتحديد اسباب تعثر مشاريع التطوير، اضافة الى عدم التطرق الى أسباب وقوف الجهات المسؤولة عن تنفيذ الخطط، مكتوفة الايدي في مواجهتها، وعدم نجاحها على احلال أنظمة اقتصادية وتعليمية وتدريبية واجتماعية متطورة، ومنسجمة مع روح العصر، وقادرة على احداث النهضة الحقيقية في مناحي الحياة بمستوياتها المختلفة.

هل صحيح ان بعض الادارات لم تكن مدركة لعمق المشاكل التي تواجه عمان؟ او لم تطلع على الدراسات الدولية والمحلية المختلفة عن الموضوع؟ ام انها كانت تواجه صعوبات في تنفيذ القرارات والتوصيات لسبب ما، ومنها تلك التي قد تكون كامنة في داخل النظام الاداري للدولة؟ ام ان الاطارات اللازمة للتنفيذ لم تكن متوفرة او غير مهيأة؟ ام ان الحلول التي يمكن من خلالها مواجهة الخلل والقصور غير واضحة المعالم او صعبة التنفيذ؟ او لاعتقادها بوجود حواجز عديدة من الصعب عبورها لسبب ما؟ هل يتعلق الامر بالادارات وآلياتها او القوانين او لعدم الرغبة أو لانعدام القدرة على حسم توجهات الحل؟ ام أن الامر متعلق بعدم وجود سياسة وطنية متفق عليها وتتمتع بالإجماع؟ او ان الاخفاق مرتبط بالتفكير من داخل الصندوق في الوقت الذي تقتضي الظروف التفكير من خارجه، والاعتماد على حلول ابتكارية جريئة والتفكير بشكل غير تقليدي؟ هل المشكلة تكمن في الرغبة ان يكون التطور تدريجيا في الوقت الذي كانت تقتضي الظروف ان يكون التطوير حاسما وسريعا بشكل تصاعدي وشامل؟ ام ان المشكلة تكمن بكبر حجم الجهاز البيروقراطي وتداخل وربما تعارض صلاحيته والصعوبات التي تواجهه في حسم توجهات الحل؟ او ان المشكلة متعلقة بتفضيل الكم على النوع لكون الكم سهل حسابه؟ هل الصعوبات متعلقة بضعف الادارات الحكومية وكثرتها وعدم انسجامها او على عدم وجود جيل جديد من التنفيذيين ليقوموا بدورهم بشكل افضل او بعدم وجود الرغبة لخلق آليات مستقلة للمراقبة او وجود مقاومة ما للتنفيذ؟ او ان عدم النجاح يكمن في تشتت القرار وعدم وجود مراقبة او محاسبة؟ او اننا لم نرغب بتشخيص المشكلة؟ ام هناك اسبابا اخرى يستوجب تشخيصها بصورة دقيقة، تمهيدا لوضع الحلول الجذرية لتجاوزها؟ او ان المشكلة تكمن في وجود كل هذه الصعوبات التي اشرنا اليها مجتمعة واكثر؟
لاشك ان القيادة الرشيدة يهمها جدا تحقيق التنمية الشاملة وتحقيق الاهداف المعلنة ولديها وعي وادراك عميقين، على ضرورة مواجهة التحديات التنموية التي تواجهها عمان.
كيف نتمكن من تحقيق عمان ٢٠٤٠؟ يقال في الطب ان تشخيص الأمراض نصف الطريق الى علاجها. نفس القول ينطبق على «الأمراض التنموية».
في العلل العضوية كان الفحص في البداية بالنظر، ثم تلاه الفحص باليد.
ثم ظننا ان الكشف بلغ دقته باستعمال ميزان الحرارة وجهاز قياس الضغط.

والان نعرف ان الفحص ما لا أول له و لا له آخر. فهناك التحاليل المعملية كيمياوية ومناعية وجينية، وهناك الوسائل التصويرية بالأشعة تنفذ الى كل موقع في الجسم، وهناك الدراسات الفسيولوجية والكهربية تختبر كل جزئية، وهناك المناظير الداخلية تخترق اعماق الجسم، وهناك تحاليل ودراسة الأنسجة تفك طلاسم التركيب البشري ذاته. والامل ان نعاود التشخيص واعادة الفحص باستعمال كل الوسائل المتاحة للتوصل الى التشخيص السليم لكثير من مشاكلنا المتراكمة والمزمنة وأن لا نكون اسرى للماضي ومتخندقين في سالف افكارنا. وكذلك فان الجميع يأمل بعد وصولنا الى حالة استيفاء الفحص والتحليل والإحاطة والنفاذ، ان تسنح الفرصة لأحسن الأطباء المتوفرين،المحليين منهم والدوليين لمباشرة العلاج مهما كان صعبا ومؤلمًا وتحت رقابة مستقلة صارمة.

الحقيقة الان تتبدى جلية، وتتمثل في ادراك الكثيرين ان عمان تستحق الأفضل والأحسن وتبحث في المستقبل وليس في الماضي، وليست مستسلمة لحالة من اليأس. واملي ان التشخيص السليم، والاستعانة بتجارب بلدان سبقتنا في تجاربها التنموية الناجحة، وخطت خطوات كبيرة الى الامام، مضافة الى وسائل العصر، مضافة الى شحنة القلق، مضافة الى رصيد انساني غني، مضافة الى قيادة رشيدة لصاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله و رعاه- قادرة كلها في مستقبل غير بعيد ان تتحول الى طاقة إيجابية تصرع اليأس بالامل ولا تصرع الأمل باليأس..

لقد حان وقت التحول الكبير والعمل من أجله. {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.