عندما تفاجأ بالقبض عليك

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٦/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٤٣ م
عندما تفاجأ بالقبض عليك

علي بن راشد المطاعني
أحد رجال الأعمال حكى لي بأنه أثناء عودته إلى البلاد، بعد قضاء إجازة خاصة امتدت حوالي شهر مع عائلته، فوجئ في المطار أثناء مروره من نقطة التفتيش أنه مطلوب القبض عليه لتنفيذ حكم صدر غيابيا على شركته و مطالبته بمبلغ لا يتجاوز مئة ريال، وسرد قصته بحزن و انكسار مؤلمين، بأنه لم يأخذ الأمر بالجدية في بداية الأمر، ظنا منه بأنه لا يعدو إلا أن يكون مزحة من رجل الأمن معه، إلا أن الأمور بدأت تتغير إلى الجدية عندما لم يسمح له بالمرور وتم احتجاز جواز سفره.

وعندما سأل عن الجريمة التي ارتكبها إلى درجة أن يدرج اسمه في قائمة الملاحقين أن يكون مع رجل بمقامه و أهميته، و قدرته المالية أن يسدد مئات الأضعاف المبلغ المطلوب، لم يفق من الصدمة التي شلت قدرته على النطق، و أخجلت العائلة وسط ذهولها للمشهد المفاجئ الذي اعتبر بعض أفراد الأسرة بأنه مقلب لوالدهم، وحاولوا التدخل لدفع المبلغ آنذاك في المطار، و أخرجوا كل ما لديهم من بطاقات ومبالغ نقدية لفدية والدهم من المأزق الذي عكر مزاجهم، و مسح بهجة من نفوسهم، وجعل وجوههم عابسة من وطأة الموقف الذي نصب لهم كما يقول، و حاول رجل الأعمال و عائلته تفادي الموقف و لكن هيهات ذلك في اليوم الذي وصفه بالأسود في تاريخه.

و شرح الأمر لهم بكل هدوء بأنه لا يستحق أن يحتجز وأنهم مستعدون لمراجعة مركز الشرطة في الصباح و المحكمة وإنهاء الموضوع بأي شكل يرضي كل المعنيين، إلا أنه هيهات، إلا أن ينفذ الأمر بالقبض عليه بأي شكل من الأشكال كما ورد في حكم التنفيذ الذي عمم على كافة المنافذ و مراكز شرطة عمان السلطانية، وأنه يجب عليه قضاء الليلة في الحبس إلى الصباح الباكر حتى تسوى المشكلة، ويسدد المبلغ المطالب به، ثم يأتي أمر الإفراج و تنتهي القصة التي كما يصفها كانت أشبه بالكابوس الذي حول بهجته وعائلته، بعد قضاء رحلة سعيدة خارج البلاد.

وتابع قائلا: لم أستطع تفادي الموقف، لولا أولادي اتصلوا بمسؤول كبير في جهاز الشرطة وشرحوا له الموقف بحذافيره و أمر بإخلاء سبيله على أن يحل الموضوع في الصباح الباكر، و يضيف بأنه عندما عرف عن الموضوع وجد بأن أحد شركاته عليها مبلغ لشركة أخرى، لا يزيد عن مائة ريال عماني، و صدر ضدها حكم غيابي إلى أن وصل التنفيذ باعتباره مالك الشركة، والتي تعد من كبار الشركات في السلطنة، و يزيد عدد موظفيها عن 2500 موظف، و بها عدة أقسام، وتعمل منذ السبعينيات، و يقول بأن الحكم الذي صدر ليس له علم به و هناك دائرة تتابع مثل هذه الشكاوى أو المحاكم و الأحكام و التنفيذ بشركته، إلا أنه اردف قائلا بنبرة حزن متألما لما حصل له، هل يعقل أن يلقى القبض على شخص سواء كان رجل أعمال أو غيره بدون التأكد من الأمر أو معرفة عنوانه، و تعريضه لمثل هذه المواقف، أليس من الأجدر كما يقول معرفة الأمور إذا كانت تستحق، قبل أن يأمر بالقبض على الشخص في مثل الموقف الذي حصل له في مكان عام و أمام الناس.

بالطبع نحن نقدر الصعوبات التي تواجهها تنفيذ الأحكام في عدم وضوح عناوين المحكوم عليه، أو عدم وجود بيانات محل الإقامة لبعض المتهمين أو هناك من يدلي بمعلومات خاطئة وتضليل الجهات القضائية لأو عدم وجود محل معروف للإقامة أو العمل وغيرها الممارسات الخاطئة، إلا أن الأمر يعمم على الكل و بمجرد صدور حكم التنفيذ بدون استنفاذ كل السبل، و أن يصل الأمر أن يلقى على الأشخاص في المطار ومطالبتهم بمبالغ زهيدة و إلا يحبس، فمن الضرورة إيجاد سبل أفضل لتحصيل مثل هذه المبالغ، خاصة لشركات أو رجال أعمال معروفين و لديهم أماكن إقامة وشركات كبيرة، وربما في يوم من الأيام يكون رجل الأعمال معه ضيوف و مستثمرين من خارج السلطنة، وقد يلقى القبض عليه أمام ضيوفه، فما وضعه آنذاك في تلك الحالة، فالنظم يجب أن تراعي في تنفيذ الأحكام مثل هذه الأمور و إيجاد طرق أفضل مما هي عليه لما تحمله من قسوة في تنفيذ الأحكام.

و هناك الكثير من البدائل التي لا تستدعي إجراءات القبض إلا بعد تعذر كل الوسائل والمطالبات والإعلام و غيرها، فالبعض تصدر ضده أحكام غيابية لسبب و آخر، أو كما يعلن عدم وجود محل إقامة معروف في وسائل الإعلام في حين أنه له مكان وعنوان معروف.

بالطبع نحن لا نطالب بتهاون في تنفيذ الأحكام بشكل عام، ولكن إعلام الأشخاص أو المتهمين بما عليهم في ظل توافر كل وسائل الاتصال وخاصة مع برز التقنيات الحديثة، وكذلك يتطلب إيجاد قاعدة بيانات دقيقة تسهل عملية التعرف على الشخص ومكان إقامته وعنوانه سواء استخدامها في تنفيذ الأحكام أو غيرها، تلافيا لمواقف محرجة قد يكون الشخص غير معني بها أو مسؤول عنها بشكل مباشر مثلما حصل مع رجل الأعمال الذي فوجأ بتنفيذ الحكم يترصده في المطار.

نأمل أن يعاد النظر في تنفيذ الأحكام بحيث لا تكون غير معلومة و فجائية بشكل تصدم الفرد، واستنفاذ كل السبل قبل التعميم على الأفراد، فما زال مجتمعنا بخير ولا يستحسن هذه الطرق في أخذ الحقوق.