نواعم.. بشوارب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:١٠ ص
نواعم.. بشوارب

لميس ضيف
كنت في الرابعة عشرة عندما رأيت، للمرة الأولى في حياتي، رجلا متشبها بالنساء. وأذكر المشهد بوضوح شديد، وهذا ما تفعله الذاكرة. إذ تعامل المواقف الجديدة.. الغريبة والمفزعة معاملة خاصة وتحفظها لك للأبد. في ذلك اليوم؛ كان هذا «الشاب» يجرب حذاء نسائياً في محل تجاري. لقد حملقت ونظرت ملياً لدرجة أنه رفع رأسه ونظر لي بحدة. حدة لم تمنعني من إطالة النظر أكثر. لأني لم أر في حياتي رجلا طويلا حليقا بملابس تناسب النساء وبتصفيفة شعر لا تستطيع تحديد هويتها ولكنها ليست رجالية حتما.
في ذلك الزمان؛ وحتى عقد مضى، كان هؤلاء يتخفون. أو يعزلون أنفسهم عن أعين العامة. ويتعاملون بعدائية مع النظرات ويحاولون أن يعيشوا في العتمة. أما الآن فقد تكاثرت هذه الفئة بشكل مزعج. وأصبحت تصدر للناس فكرها وحركاتها. وأصبحنا نرى رجالا نواعم؛ ربما لا يكونون بالضرورة من الفئة الشاذة، ولكنهم أنعم من أن يكونوا رجالا! في مظهرهم الخارجي وطريقة كلامهم بل وحتى اهتماماتهم!
أصبحنا نرى رجالا بلحى يحملون في الشبكة العنكبوتية مقاطع رقص شرقي! ورجالا يعلمون النساء وضع المكياج بتطبيقه على وجوههم! ورجالا يعلمون بعضهم كيفية وضع مكياج للرجال يبرز الملامح بلا مبالغة!
لا أعرف أي أشارة خضراء فُتحت لهؤلاء ليطلقوا لأنفسهم العنان بهذا الشكل! وكيف سقطت نقطة الحياء منهم وغابت الحمية من مجتمعاتهم وكيف أصبحنا – نحنُ- نراهم أمرا مقبولا ولا ننفر منهم كما كنا!
«إنها تربية المربيات والنساء عامة» سمعت أحدهم يقول يوما في إشارة على أن غياب النموذج الذكوري في حياة الأبناء هو السبب وراء ضياع هويتهم. ولكنني للأمانة لا أرى في ذلك تفسيرا. بل حقيقة أن الأبناء اليوم ينشأون على الحياة الناعمة، وقلة المسؤوليات، ويمضون وقتهم أمام برامج وتطبيقات لا تعلمهم إلا فنون المكياج والرقص. وتروج للميوعة التي تتسرب لأنفسهم بسهولة لأن عودهم طري لم تصلبه المواقف ولا التحديات.
ولأن وتيرة الاستنكار والنفور من تلك النماذج أصبحت غير مرئية ولا مرصودة. أعتبر ذلك تشجيعا لغيرهم أيضا على المسلك ذاته!
سقى الله زماناً كان الولد فيه يقلد الرجال وهو طفل لم تظهر عليه أي من معالم الرجولة. وأعاننا الله على هذا الزمن الذي تجلس فيه الرجولة في الزاوية تبكي من أشباه الرجال ومن في حكمهم.