التعامل مع التفاوت

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٦/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٤١ م
التعامل مع التفاوت

جيفري فرانكل
عندما يتعلق الأمر باتساع فجوة التفاوت الاقتصادي منذ سبعينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة وبعض الاقتصادات المتقدمة، فليس من المهم حقاً أي مقاييس توزيع الدخل نختار. فجميعها تُظهِر الزيادة. ورغم اقتراح العديد من التفسيرات المتنافسة، فنحن لسنا في احتياج إلى الاتفاق حول الأسباب حتى يتسنى لنا أن نتفق على سياسات حكيمة لمعالجة المشكلة.

وهناك العديد من الطرق لقياس التفاوت بين الناس. وكل منها قد ينبئنا بأمر مختلف. فبفضل النجاح الاقتصادي الذي حققته عِدة بلدان آسيوية مؤخراً تراجعت فجوة التفاوت وفقاً لبعض المقاييس، قد يتصور المرء عادة أن تشخيص السبب وراء مثل هذا التحول الجوهري يمثل خطوة ضرورية في وصف العلاج. وفي هذه الحالة، ربما يفقد المرء عزيمته إزاء الوفرة الهائلة من التفسيرات المقبولة التي طُرِحَت وصعوبة الاختيار من بينها.

ويؤكد كتاب توماس بيكيتي «رأس المال في القرن الحادي والعشرين» على ما يعتبره اتجاهاً طويل الأمد للغاية نشأ بسبب العائد المرتفع على رأس المال، والذي يتسبب في تراكم الثروة الموروثة بمعدل أسرع من نمو الدخل المكتسب. كان كتاب بيكيتي، الذي نُشِر العام 2013، مؤثراً إلى حد كبير في إعادة التفاوت إلى أجندة الاقتصاديين الأمريكيين. ولكن أغلب الباحثين يعتقدون أن مصدر اتساع فجوة التفاوت في الولايات المتحدة يكمن في المقام الأول في الدخل المكتسب، ولا يرجع إلى الفارق بين الدخل المكتسب (الأجور والرواتب) والدخل غير المكتسب (العائد على رأس المال).
يتلخص التفسير الأول للتفاوت بين الدخول غير المكتسبة في التغير التكنولوجي، والذي يعمل على زيادة الطلب على العاملين المهرة بسرعة أكبر مقارنة بزيادة المعروض منهم. ولكن في حين قد يفسر هذا الفجوة المتزايدة الاتساع في الأجر أو الدخل بين العاملين المهرة و»غير المهرة» فإن هذا لا تربطه أي علاقة تُذكَر بالفجوة بين شريحة الواحد في المائة الأعلى دخلاً وبقية شرائح الدخل.ويكمن التفسير الثاني في ما يسمى «التزاوج المتجانس»، والذي بموجبه لم يعد الرجال المهرة من أصحاب المهن المجزية يتزوجون سكرتيراتهم، بل يختارون بدلاً من ذلك النساء الماهرات اللاتي يعملن في مهن مجزية.
ويتمثل التفسير الثالث في طبيعة استئثار الفائز بكل شيء التي تتسم بها مهن عديدة، من أطباء الأسنان إلى أساتذة الجامعة إلى نجوم السينما. ولأن وسائل الإعلام الحديثة تخبرنا بمن هو أفضل طبيب أسنان في المدينة أو أفضل ممثل سينمائي في العالم، فإن فوارق صغيرة نسبياً في القدرات تؤدي إلى فوارق في الدخل أكبر كثيراً مما كانت عليه الحال سابقا.
ووفقاً للتفسير الرابع، فإن التعويضات البالغة الارتفاع التي يحصل عليها المسؤولون التنفيذيون في الشركات، وخاصة في القطاع المالي، لا تمثل عائداً على خدمات عليها طلب لأنها ذات قيمة اجتماعية. بل بدلاً من ذلك، يحظى المديرون في الأساس بالفرصة لوضع شروط أجورهم ومكافآتهم، وذلك من خلال حزم تعويضات تعكس إخفاقات حوكمة الشركات، وقانون الضرائب، والهندسة المالية. على سبيل المثال، فشلت خيارات الأسهم في تحقيق هدفها الأصلي المتمثل في ربط الأجر بالأداء.
وأخيرا، يتلخص تفسير شعبي بشكل خاص في أن الأثرياء استولوا على مقاليد السلطة، من خلال تبرعات الحملات الانتخابية. ويحرص الساسة الذين يمولهم الأثرياء كل الحرص على استنان السياسات المحابية لهم.

أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد