اعتبارات مهمة لإنجاح رؤية 2040 «2»

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٥٠ ص
اعتبارات مهمة لإنجاح رؤية 2040 «2»

مرتضى بن حسن بن علي
رغم الإنجازات الضخمة التي تحققت على الارض العمانية منذ فجر النهضة المباركة، فان بعض الصعوبات التي رافقت تنفيذ الخطط الخمسية المتتالية، كانت محور الدراسات العديدة التي اجريت في عام 1994 والتي استنتجت ان الخطط الخمسية المتتالية،لم تصل الى اهدافها الكاملة المعلنة، وخاصة هدف تنويع مصادر الدخل او تطوير التعليم او تنمية القطاع الخاص،ليكون محرك الاقتصاد وموفر فرص العمل للعمانيين.

ظل النفط المحرك الأساس لمعظم الانشطة، وكانت أسعار النفط عند انخفاضها تسبب ضغوطات كبيرة على الموازنة العامة للدولة، وترسخت القناعات اكثر فاكثر ان الاقتصادالمعتمد على النفط يسبب مشاكل عديدة، وهي نفس القناعة التي توصل اليها المجلس الاعلى للتخطيط.

كثير من الدراسات تتفق ان ضعف اداء القوى البشرية والارتفاع الهائل في العمالة الوافدة وانعدام ثقافة العمل والانتاجية وضعف اداء الاقتصاد، يرجع الى ارتباط الاقتصاد بريع النفط الخام، لان النمو المعتمد عليه لا يضمن متانة الاقتصاد واستدامة النمو او زيادة الانتاجية لغير القطاعات النفطية، ويؤدي الى قطاع خاص مشوه وسوق عمل مشوه وتعليم وتدريب مشوهان، والقطاع الخاص الناشئ في معظمه، يبقى قطاعا غير منتج، قائم على انتاج الخدمات الاستهلاكية غير القابلة للتصدير، كما ان الاعتماد على الايرادات النفطية فقط يعرقل بروز اقتصاد حقيقي فعّال ومنتج، ويساهم فـــي انتشــار الميول الريعية وانتاج بطالة مقنعة في حالة ارتفاع أسعار النفط وبطالة حقيقية في حالة انخفاض أسعاره، بعد ان تتوقف الوحدات الحكومية من توظيف المزيد من الموظفين .الثروة الريعية تقوم بتحجيم التحديث الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والتدريبي والإنتاجي ولا تخلق دورة اقتصادية متكاملة، ولا توفر فرص عمل ذات قيمة مضافة، وتعتمد عادة على عمال بأجور متدنية من الخارج للقيام بأعمال ‏بسيطة مثل المقاولات والأنشطة الخدمية البسيطة، ومعظمهم من العمالة الوافدة الذين يحولون جزءاً كبيراً من مداخيلهم إلى بلدانهم بدلا من المساهمة في الاقتصاد المحلي وتنشيط الدورة الاقتصادية، اضافة الى تسببها في ايجاد ضغوطات تضخمية.

التفكير الذي يرافق تحديد اهداف اية رؤية مستقبلية، لا بد ان يكون تفكيراً استراتيجيا، الذي ينظر الى الصورة بالشمولية ويدرس الماضي جيدا كما يعرف الحاضر ويتوقع المستقبل، لكي يكون قادرًا من تحويل احلام اليوم الى واقع الغد وما بعد الغد، ومن حق الناس ان يعرفوا ذلك لكي يعرفوا التحديات التي واجهت تطبيقها والدروس المستفادة منها تمهيداً لوضع رؤية 2040 بمنهجية علمية وواقعية، وتطبيقا عمليا للمشاركة المجتمعية التي تعتمد عليها اية رؤية، أية رؤية لكي تنجح، فمن الضروري ان تمتلك القدرة على فحص وتحليل البيئة الخارجية والداخلية للبلد، والقيام بالتنبؤات المستقبلية لكل من الفرص والمخاطر التي من الممكن أن تواجه اي بلد مستبقلا والاستعداد لها بالبدائل والاحتمالات وبرامج الوقاية من المخاطر، وبرامج انتهاز الفرص.

ادارة السياسة التنموية هي في صميمها فن وعلم ادارة المخاطر وموارد المجتمعات المختلفة بما في ذلك الموارد الجغرافية والتاريخية والإنسانية والاقتصادية والثقافية، وبما يحقق لهذه المجتمعات صحتها ورفاهيتها داخل حدودها، ومصالحها وأمنها وراء هذه الحدود. ولكي تحقق رؤية 2040 أهدافها لبِنَاء اقتصاد منتج متين قابل للاستدامة وقطاع عام عالي الكفاءة وقوة بشرية عالية التعليم والتدريب ، فلا بد ان تتمكن من أحداث تنمية بشرية قابلة للتكيف مع متغيرات متسارعة على المستوى التكنولوجي والاجتماعي،ومن دون اجراء تحديث شامل للطريقة التي يعمل بها حاليا القطاع العام، سوف تجد صعوبة من تحقيق ذلك الهدف.
كنت أأمل شخصيا ان تكون الخطة الخمسية التاسعة 2016-2020، خطة نوعية تُركز بشكل أساسي على تهيئة البلد لرؤية عمان 2040 . وحيث ان ذلك لم يحصل، فعلينا البدء منذ الان على النحو التالي:

أ- اعداد خطة طموحة للتحول الحكومي الشامل ،لكي تتمكن الحكومة من قيادة التغيير المأمول.

ب- خطة للتحول الاقتصادي الشامل وايجاد قطاع خاص منتج ومتنامي عن طريق إيجاد بيئة جاذبة له للنماء لكي يقدر ان يقوم بواجباته في اقامة مشاريع مغلة للدخل وموفرة لفرص عمل منتجة للعمانيين، وإحداث تغييرات جذرية في هيكل الاقتصاد الوطني سوف يؤدي إلى زيادة ملحوظة ومستمرة في معدل نمو الدخل القومي بحيث تؤدي هذه الزيادة إلى التغلب على المشاكل التي تواجهها الحكومة، كما يؤدي إلى ارتفاع في مستوى من معيشة الأفراد.
ج- إجراء تحولات وإصلاحات جذرية في النظامين التعليمي والتدريبي
من اجل بناء نظام تعليمي قوي ومتماسك، على أساس الكفاءات العلمية المتخصصة.

لقد ادركت البلدان التي حققت تقدما هائلا أن الوسيلة الوحيدة لتقدم أية دولة تعتمد بداية على قدرتها على تطوير التعليم، والاهتمام بالبحث العلمي، وألا يعتمد التعليم على أسلوب التلقين و «الحشو»، وضبط العلاقة بين التعليم العادي والتعليم والفني، ففي ضبط هذه العلاقة تكمن احدى اسرار نهضة البلدان المتقدمة.والوضع الآمن لضبط العلاقة بين التعليم العام والتعليم والفنى هو أن يلتحق اكبر عدد من الطلبة الى التعليم الفني والمهني بداية، بعد الانتهاء من المرحلة الإعدادية، بينما تلتحق نسبة اقل إلى العلوم الاخرى، وتجري تقييمات بين فترة وأخرى لتحديد تلك النسب وبعد ذلك ان تقوم بالمتابعة المستمرة لهذه النسب وتعديلها حسب احتياجاتها المتغيرة.

د-خطة شاملة لإصلاح نظام الخدمة المدنية والقانونية. هناك قناعات ترسخت مفادها ان بعض القوانين والتشريعات وتضارب الصلاحيات تعرقل انجاز اشياء عديدة كما ان اعداد الموظفين العاملين في الأجهزة الحكومية المختلفة هو اضعاف ما تحتاجه الدولة ويفوق كثيرا معدل عدد الموظفين لكل الف من السكان في الدول الاخرى معدلات الاجور الى الايرادات العامة لكثير من الدول الاخرى، تتراوح ما بين 12 - 30 % من ايرادات تلك الحكومات، بينما وصلت تلك النسبة في عمان إلى نحو 65 % من ايرادات الحكومة، وهذه من احدى اسباب العجز الكبير في الموازنة وعدم القدرة على استدامتها أو اقامة كثير من المشاريع الاخرى المدرة للدخل والموفرة لفرص العمل. بهذه الطريقة فلن تنظر المجتمعات الى الحكومة كضامنة للوظائف في اجهزتها، وإنما تنظر اليها كجهة قادرة عبر سياساتها لخلق وظائف مستمرة ومتجددة في القطاع الخاص .
تحقيق اية رؤية تحتاج اعداد العدة لانطلاقة تحمل استراتيجية وخطط وسياسات تتوفر فيها قراءة جيدة للواقع ونظرة استشرافية للمستقبل.