أعراض بنات الشيخ وهو عقيم

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٠/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٥٠ ص
أعراض بنات الشيخ وهو عقيم

أحمد المرشد
تعلق قلب رجل بفتاة فأراد خطبتها فسأل عنها أهل الحي فأجابوه بأنها «سيئة السمعة» فحزن حزنا شديدا وانطوى على نفسه حتى رآه شيخ كبير فسأله: «ما لي أراك حزينا هكذا وقد زادك حزنك سنين عمرك وأنت لا زلت شابا في مقتبل العمر؟».. فحكي الرجل رواية حبه للفتاة وما قاله الناس عنها، فقال له الشيخ: «خفف عن نفسك، ولا تيأس من فضل الله، ولو أردت زوجتك أحدى بناتي فاذهب واسأل عن سمعتهن حتى يطمئن قلبك».

الوضع لم يتبدل كثيرا، بل زاد سوءا، وعاد الرجل للشيخ وقال له إن أهل الحي أبلغوني أن بناتك سيئات الخلق».. وهنا فاجأه الشيخ بأنه عقيم ولا أولاد له، ولكن هذا هو حال الناس يقذفون المحصنات بالباطل ويتكلمون عن الآخرين بدون الحق، ثم أرشده إلى العودة إلى حبيبة قلبه وخطبتها والتمسك بها، وأنه لا يجب أن يحكم بما يسمع.

مجرد قصة قصيرة نقابلها ونسمعها كل يوم، ولكن المهم أنها قريبة من حالنا وحال الكثير منا، فمن منا لم يمر بموقف هكذا، ومن منا لم يقع في خطأ تكوين رأيه اعتمادا علي ما سمع بدلا من تغليب العقل، وكنا زمان نقول «الصورة بألف شاهد»، وهكذا ما يجب أن نفعله وألا نرضخ لكلام الناس وتقولاتهم وبهتهم ونميمتهم. وتعظم الأحاديث النبوية من قدر حقوق الناس يوم القيامة، وتنذر من عاقبة هدر هذه الحقوق والإخلال بها، وتبين السنة النبوية أن الوفاء بهذه الحقوق يوم القيامة يكون بنقص رصيد حسنات من أهدر هذه الحقوق.
قد يعتقد البعض أن هذه القصة نادرا ما تحدث، ولكن حالنا اليوم يؤكد أنها تحدث كل يوم ولكن ليس بهذا الشكل وإنما بأشكال أخرى متعددة، ومنها على سبيل المثال ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي من شائعات تطال هذا وذاك، وأقاويل مغلوطة تنال من بعض الناس والمسؤولين بهدف إشاعة الكراهية والبغضاء في المجتمع وبث حالة من الاستياء وعدم الاستقرار للنيل من أمننا العام. وللأسف، تنتشر الشتائم في مواقع التواصل الاجتماعي وتكون منصة لتصفية الحسابات والادعاءات المضللة والانتقام، بدلا من أن تكون منصة لتبادل المعرفة ونقل الأخبار الصادقة وتواصل الخير وليس معاول للهدم والتخريب.
علينا تجنب اتهام الناس بالباطل سواء في واقعنا اليومي أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فقال الله تعالى في قرآنه الكريم: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [النساء:112]. وهنا تبرز الآثار العظيمة التي تترتب على اتهام الأبرياء بالباطل، وفيها ترهيب شديد من هذه الجريمة الشنيعة لكل من تسول له نفسه رمي الأبرياء بما لم يفعلوا من آثام أو خطايا، فعلى المسلم حفظ لسانه وسريرته.
فمن حقوق المسلم التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الوقوع في المظالم مثل الغيبة والنميمة وأكل أموال الناس والخوض في الأعراض واتهام الناس بالباطل، فمن ستر مسلما وتجنب فضحه ستره الله يوم القيامة، وكذلك ضرورة تجنب اتهام الغير بالفسوق، فمن يفعل هذا لا يدرك عواقبه فعلته. وكذلك علي المسلم التوقف عن الغيبة، حتى يتجنب الوعيد والعواقب التي تترتب عليها قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خيراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خيراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات:11- 12]. فالآية تنهي عن الكثير من المظالم وهي، السخرية والتنابز بالألقاب وظن السوء والتجسس والغيبة.. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما المفلِسُ ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه، قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه. ثمَّ طُرِح في النَّارِ». وللأسف الشديد، هذا ما أحدثته ثورة الإنترنت وشيوع التلفونات المحمولة الحديثة التي أصبحت في أيدي الجميع، وبدلا من استماع فرد أو مجموعة قليلة لغيبة في حق أحد، أصبح الأمر على المشاع ويقرأه الآلاف بل الملايين، فنرى «بوست» واحد وقد حصل على الملايين من علامات الإعجاب، ثم نكتشف بعدها زيف ما قرأناه وأعجبنا به، ولهذا علينا أولا التفريق بين الحقيقة والشائعة وضرورة تدبر اللغة المكتوب بها تلك الشائعة حتي لا نقع في إثم.
ويحذرنا ديننا الحنيف من الخوض في أعراض الناس، فهو أمر من كبائر الذنوب، فالغيبة جرم كبير وخطر على المجتمع، فعثرات اللسان توقع الإنسان في الموبقات- وهذا ما ينتشر أيضا علي وسائل التواصل الاجتماعي- فالنميمة تورث الحسرات والآفات، فماذا نستفيد من الغيبة والإساءة إلى غيرنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الإساءة للبعض في بدنهم أو نسبهم أو خُلُقهم أو فعلهم.
والمستمع للغيبة والخوض في أعراض الناس نصيبه أيضا من العذاب، فالإصغاء إلى الغيبة وسماعها على سبيل التعجب والرضا بها، تعد مشاركة للمغتاب في الغيبة، خاصة إذا كان الشخص يظهر التعجب عند السماع ليستخرج كمال الغيبة من المغتاب، وهنا يقول ابن المبارك رحمه الله: «فِرَّ من المغتاب فرارك من الأسد». كذلك الحال من يقرأ النميمة على تلك المواقع المشبوهة يقع عليه نفس الوزر، وقد ذكر بعض العلماء: «أدركنا السلف الصالح وهم لا يرون العبادة في الصوم والصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس». ولهذا فإن حفظ حق المسلم لأخيه وصون عرضه ضرورة للمسلم، فمن دافع عن عرض أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة، والعكس صحيح فمن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته، وكذلك فإن الغيبة من الكبائر، وكبائر الذنوبِ لا تكفرها الحسنات من الصلاة والصيام والصدقة وسائرِ القربات، بل لا بد من الإقلاعِ والندم والتوبة النصوح.

كاتب ومحلل سياسي بحريني