
إعداد: نصر البوسعيدي
ضمن سلسلة عمان عبر الزمان 
لهذا الوطن المجيد تاريخ عريق منذ آلاف السنين كانت فيه عُمان سيدة البحار والرابط الأهم بين الشرق والغرب في خطوط التجارة العالمية وبين مختلف الحضارات التي كانت تتسيد العالم كحضارة بلاد الصين والملايو وملوخا وبلاد الرافدين وبلاد الفراعنة وحضارات الإغريق والرومان من أشاروا إلى عمان وموانئها في كتاباتهم القديمة كالمخطوط اليوناني المعروف بعنوان " الطواف حول البحر الأريتيري" لمؤلف يوناني مجهول.
ولقد كانت التجارة البحرية عبر أشهر الموانئ العمانية قبل أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد والأساطيل العمانية المعروفة لدى العالم أنذاك هي السمة البارزة لأهل عمان من برعوا كثيرا في علم الفلك ومعرفة مسالك أهم الطرق البحرية وأخطرها، فتعاقبت الأجيال جيلا بعد جيل تورث أبناءها فنون البحار والخبرات المتراكمة التي أتاحت للعمانيين الترحال بين مختلف الحضارات والتي لم يصل إليها أحد قبلهم، لذا لا عجب حينما نرى العالم الروسي (اندريه شغاكوف) بعد دراسات وبحوث متخصصة يؤكد ذلك بقوله:
"إن العمانيين كانوا أول أمة عبرت مياه المحيط الهندي، وقد فعلوا ذلك قبل الفينيقيين والمصريين والفرس والهنود والصينيين واليونانيين والرومانيين بزمن بعيد مؤكدين على أن السفن العمانية كان لها الأولوية في اكتشاف الكثير من دول وجزر المحيط الهندي".
ولم يكتف أجدادنا فقط بالسفر والتجارة بين مختلف الحضارات بل كانوا من أشهر وأمهر صناع السفن منذ ما قبل الميلاد، ويكفي أن نعلم بأن السفن التي كان يصنعها العمانيون في العهد الذي كانت تسمى عُمان ببلاد مجان يستوردها ملوك حضارات العراق مثلما تشير الكتابات المسمارية القديمة بالسفن الماجانية لجودتها التي تتسم بالعملية والقوة.
وامتد التاريخ العماني فيما بعد ليثبت بأن قوة عُمان الاساسية كانت تكمن بقوة أساطيلها التجارية والعسكرية التي سيطرت على طرق التجارة الأهم في المنطقة، وحينما نبحث في عهد الأئمة العمانيين سنجد أن قوة الدولة تكمن في قوة أسطولها البحري الذي استطاع برفقة التجارة من ردع كل حركات القرصنة والدفاع عن الحدود العمانية وبعض الأقاليم التي كانت تتبع إداريا حكم عُمان كجزيرة سقطرة التي انجدها الإمام الصلت بن مالك الخروصي من غدر أحباشها النصارى بواقعة مشهورة توثقها كل كتب التاريخ، تلك النجدة العمانية الخالدة التي استطاعت حماية أهل الجزيرة وعودة الأمور إلى نصابها، لتستمر القوة العمانية تهيمن على المنطقة من خلال قوة بحرية تخشى منها بقية الدول لا سيما الدول الأوروبية في العصر الحديث، فقد شهد جميع العالم بسالة وبطولة العمانيين في تطهير الخليج والمحيط الهندي والأفريقي من الاستعمار البرتغالي الذي كان الأعنف والأكثر دموية في تاريخنا وعانت منه الكثير من الشعوب المستضعفة والتي ظلت تحت قبضتهم حتى تمكن العمانيون في عهد دولة اليعاربة من مقارعتهم وتوجيه الضربات المؤلمة لقواهم التي انهارت أمام قوة وبسالة الجيش العماني بعد وحدتهم واجتماع شمل كلمتهم متجاوزين كل أسباب فرقتهم بالصراعات السياسية المريرة.
وعطفا على كل ما سبق والسؤال الأهم الذي أصبح دوما يشغل بال الكثير من الباحثين في هذا المجال، ما هي سيرة نواخذة عُمان حينها ومن كان أشهرهم لقيادة كل هذه الأساطيل نحو البحار والمحيطات؟!
للأسف أغلب أمهات المصادر في التاريخ العماني أهملت كثيرا توثيق سيرتهم، فقد كان المؤرخون القدامى لا يهتمون كثيرا بذكر النواخذة، بل كانوا فقط يركزون على أسماء الحكام والأئمة وبعض القادة والكثير من العلماء والفقهاء، ولم يلتفتوا في كتاباتهم إلى النواخذة من كان لهم الفضل الأكبر في قيادة وقوة هذه الأساطيل التجارية والعسكرية على السواء.
لذا سنحاول هنا ومن خلال هذا الموضوع أن نشير إلى بعض النواخذة العمانيين من حفظتهم ذاكرة التاريخ وخاصة في العصر الحديث، والذين يشكلون امتدادا حقيقيا لبراعة أهل عُمان في علم البحار وقيادة الاساطيل نحو مختلف القارات والمحيطات.
إقرأ أيضا: العمانية التي عصفت بها الظروف.. من القصر السلطاني إلى قادة الانقلاب التنجانيقي
ونبدأ في ذكر أشهرهم وهو:
1- العماني أسد البحار أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن دويك بن يوسف السعدي المولود في شمال عُمان ومن ثم استقر في ظفار مثلما تشير بعض المصادر التاريخية.
وكان للنوخذة أحمد بن ماجد الفضل في اختراع الكثير من الأدوات المستخدمة في علم البحار وطور من البوصلة الحقيقية واخترع الكثير من الأدوات وكتب العديد من المؤلفات التي تساعد البحارة في معرفة الطرق البحرية والوصول إلى أشهر موانئ التجارة في العالم.
وقد قال المستشرق الروسي (تيودور شوموفسكي) عن أحمد بن ماجد:
"ليس من قبيل العبث أن يظهر إلى جانب لقب أسد البحار الذي يصاحب أحمد بن ماجد عادة لقب آخر هو رئيس علم البحار، فقد وهب البحر ما يقرب من نصف قرن من حياته".
الجدير بالذكر أن جدنا العماني أحمد بن ماجد قد اخترع البوصلة، وآلة الكمال، وهو أول من حدد مفهوم المياه الإقليمية بين العديد من الدول، بالإضافة إلى الكثير من مؤلفاته كالنونية الكبرى التي يوجد جزء منها في دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان.
2 - النوخذة أحمد بن عبدالله الزرافي:
اشتهر بين أهل عُمان، وكان يمتلك سفينة تسمى (رحيم شاه) وقد تعرض إلى هجوم من قبل القوات الفرنسية التي سرقت سفينته ونهبت حمولتها بالقرب من سيلان في المحيط الهندي عام 1807م.
3 – النوخذة إسمعليوية بن إبرهيم بن مرداس:
تشير المصادر التاريخية إلى أن هذا النوخذة عاش في القرن الرابع الهجري، وقد استطاع الإبحار نحو الهند وبلاد فارس والعراق واليمن وشرق أفريقيا، وقد أرخ له البحار المشهور برزك بن شهريار بكتاب عجائب الهند.
4 – النوخذة إسحاق العماني:
استطاع هذا القبطان العماني قيادة السفن التجارية نحو الصين والهند في عام 912م، مثلما أشار له المؤرخ برزك بن شهريار في كتابه عجائب الهند.
5 – النوخذة بشير بن سنان:
عاش في أواخر القرن 18م، وكان من أشهر نواخذة عهد السيد سعيد بن سلطان، وقد تعرضت سفينته للهجوم الإنجليزي بتهم عديدة، وتم اعتقاله حتى تمكن السيد سعيد بن سلطان من التوسط للإفراج عنه.
6 – النوخذة جمعة بن سالم بن تباع الفارسي:
ولد بمدينة صور عام 1860م، وكان من أهم نواخذة أهل عُمان في زمانه، واشتهر بمعرفته وخبرته الكبيرة في خطوط الطول والعرض ومواقع البلدان وأسرار البحار وعلم الفلك، وقد وصل بسفنه إلى الهند وأفريقيا واليمن وأهم موانئ الخليج.
7 – النوخذة جمعة بن مسلم بن جمعة بن سليم القعدوي:
ولد كذلك في مدية صور عام 1892م، وكانت له الشهرة الكبيرة في مساعدة السفن الكويتية وغيرها للوصول إلى موانئ المحيط الهندي، وله العديد من المؤلفات منها: كتاب البداية والنهاية في العلوم البحرية، وكتاب الميل البحري لكل ربان بحري والذي تم طباعته في الهند عام 1946م.
8 – النوخذة جمعة بن سعيد الصوري:
كان يمتلك سفينة تسمى (فيض الرحمن) وتعرض للهجوم الفرنسي في المحيط الهندي عام 1807م.
9 – النوخذة حسن بن إبراهيم الفارسي:
ولد هذا العماني في مدينة زنجبار عام 1210هـ، وعينه السيد سعيد بن سلطان مؤسس الإمبراطورية العمانية ربانا لأسطوله البحري، بعدما تلقى تعليمه في الهند، ليصبح فيما بعد قائد اساطيل السيد سعيد العسكرية والتجارية لمكانته وبراعته وحسن إدارته، حتى أصبح وزيرا للخارجية والتجارة.
10 –النوخذة حسن الصرهنج:
عاش هذا النوخذة في القرن 19م، وكان أحد قادة اساطيل مؤسس دولة البوسعيد الإمام أحمد بن سعيد مثلما يحكي التاريخ.
11 – النوخذة حسين بن غباش الجنيبي الصوري:
ولد في مدينة صور العفية، وكان مشهورا بقيادته أساطيل السفن الصورية بين عام 1800 – 1808م، بين الهند والبصرة، وتعرض للسلب والنهب من قبل القواسم وقوات الملا حسن حاكم جزيرة قشم، فقام الشيخ بالتواصل مع عُمان شاكيا الحال للسيد "بدر بن سيف البوسعيدي" والمقيم البريطاني "ديفيد سيتون"، وتم من خلالها التوسط بينه وبين المهاجمين حتى استرد سفنه وبضائعه بسلام.
12 – النوخذة حمد بن علي بن مسلم الكثيري الغيلاني:
ولد في مدينة صور عام 1903م، وكان مشهورا بقيادته للسفن العمانية تجاه الهند وباكستان والعراق واليمن وأفريقيا، وكان يمتلك العديد من السفن اشهرها السفينة "نور البحر" والتي اشتراها من زنجبار، كما كان له نصيب من سفينة "فتح الخير" بالشراكة مع النوخذة حمد بن محمد بن جويد الغيلاني، والنوخذة عبدالله بن محمد ود عبد الرزاق السناني.
13 – النوخذة حمد بن علي بن ناصر الغيلاني:
ولد في مدينة صور عام 1911م، وكان بارعا جدا في قيادة السفن، ويذكر التاريخ أن النوخذة حمد استطاع أن يقود قافلة من السفن العمانية لدخول ميناء موزنبيق الأصعب في طرق الملاحة بسبب الصخور التي تحيط به من كل جانب، حتى انه أبهر الإنجليز في ذلك وهم من كانوا يستعمرون المنطقة، فمنحوه شهادة تشير إلى حسن إدارته وبراعته في قيادة أسطول من السفن عن طريق علم الفلك وخبرته البحرية، كما انه ابحر كثيرا إلى الهند وبلاد فارس والعراق ودول الخليج.
ولم يكن النوخذة حمد الغيلاني بحارا فقط بل كان طبيبا شعبيا ماهرا استطاع علاج الكثير من الإصابات والأمراض في زمانه.
14 – النوخذة خميس بن سليم بن عبدالله آل فنه العريمي:
من مواليد موطن أشهر النواخذة العمانيين مدينة صور عام 1905م، وكان بارعا في التنقل بسفنه للتجارة في الهند والخليج وشرق أفريقيا، بالإضافة إلى براعته في علم الطب الشعبي.
15 – النوخذة سعيد بن حمد بن ماطر التمامي:
هذا الربان أشتهر في عمان والمنطقة في بداية القرن 19م، وله مؤلف مهم جدا في علم البحار، يوجد حاليا في المتحف البريطاني، بعدما تم سرقته من أحد السفن العمانية حينما هاجمها الإنجليز عام 1860م.
16 – النوخذة سعيد بن عبدالله بن حمد بهوان المخيني:
ولد هذا النوخذة في مدينة صور عام 1883م، وقد أشتهر بتنقلاته بين الهند والخليج واليمن وشرق أفريقيا، وقد تعرض هو وبحارته بالقرب من الصومال لعاصفة هوجاء وهم عائدون من زنجبار، فجنحت سفينتهم بجزر عبد كوري وظلوا وحيدين لمدة 4 أشهر، واعتقد أهلهم في عمان بهلاكهم وغرقهم جميعا، وهكذا ظلوا في الجزر ينتظرون النجدة في الوقت الذي لم يأكلوا فيه سوى لحم حوت كان جانحا في الساحل، وبعد 4 أشهر تفاجأ الناس بوجودهم أحياء ليتم نجدتهم ويعودوا سالمين إلى عُمان.
17 – النوخذة عبدالله بن حسن الحبشي العمري:
وهو من أشهر نواخذة ظفار وتحديدا ولاية مرباط المولود فيها عام 1854م، وكان بحارا ماهرا اشتهر بالإبحار إلى الهند واليمن وشرق أفريقيا، وأمتلك العديد من السفن أشهرها عدية، والغزال، والزعيمة.
18 – النوخذة عقيل بن محمد بن عقيل الكاف:
وهو كذلك من أبناء مدينة مرباط وتوفي عام 1926م، وكان تاجرا ماهرا يقود سفنه نحو الهند وموانئ عُمان واليمن، وله العديد من السفن اشهرها الفلاحي، وسعد الكريم، والرمادي.
ومهما حاولنا هنا أن نعدد نواخذة أهل عُمان الذي أسعفهم التوثيق بصفحات التاريخ لن نستطيع حصرهم لغرض الاختصار وهم كثر بالإضافة إلى النواخذة :
- سعيد بن مبارك بن محمد بن جويد الغيلاني المولود عام 1916م بصور.
- النوخذة سالم بن علي بن محمد.
- النوخذة سعيد بن محمد بن راشد آل فنة العريمي صوري المولد عام 1916م.
- النوخذة سلطان بن محمد بن حمد ولد سامة الغيلاني المولود كذلك في صور عام 1873م.
- النوخذة صالح بن خميس بن عنبر الغيلاني الصوري المولود عام 1903م.
- النوخذة عامر بن عيسى بن حمد الفارسي الذي عاش في القرن19م.
- النوخذة علي بن راشد بن سالم المرزوقي المولود في صور 1916م.
- النوخذة علي بن راشد بن سعيد المديلوي الفارسي المولود عام 1944م، في مدينة صور.
- النوخذة علي بن محمد بن خاطر العلوي المولد في العفية كذلك عام 1926م.
- النوخذة محمد بن حمد بن علي الغيلاني المولود عام 1849م في مدينة صور.
- النوخذة مسلم بن جمعة بن سليم العلوي الذي ولد في صور عام 1859م.
- النوخذة ناصر بن علي بن ناصر الخضوري الذي ولد في عام 1870م، وله مؤلف مشهور جدا وهو " معدن الأسرار في علم البحار" والذي صنف من أهم المؤلفات العالمية في برنامج سجل ذاكرة العالم لدى منظمة اليونيسكو.
رحم الله الأجداد جميعهم من كانوا يتسيدون البحار قبل آلاف السنين ليس فقط بمهاراتهم بل بأخلاقهم والتي انتشرت من خلالهم رسالة الإسلام فيما بعد في شتى الأقطار والمدن.
المراجع :
1 - أسياد البحار، حمود بن حمد بن جويد الغيلاني، مطبعة النهضة 2015-2016م.
2 – سندباد في عُمان، يوسف الشاروني، الهيئة المصرية العامة للكتاب ط1- 1986م.
3 –الموانئ العمانية القديمة ومساهمتها في التجارة الدولية في ضوء الكتابات اليونانية والرومانية من القرن الثالث الميلادي، إلى القرن الثالث الميلادي، أ.د.أسمهان سعيد الجرو، الطبعة الأولى 2011م، النادي الثقافي – سلطنة عُمان.