النجم الصاعد في قطاع الطاقة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٩/يناير/٢٠١٩ ٠٤:٠٠ ص
النجم الصاعد في قطاع الطاقة

سمعان كرم

عندما كنا نتكلم عن النفط في سنوات مضت، كنا نعتبره نعمة من الله تعالى علماً اننا كنا نجهل تقنيات استكشافه وانتاجه وتسويقه. وكان النفط المحرك الرئيس لنهضتنا ولرخائنا وبالتالي نتكلم عنه وكأنه الولد المدلل. حتى ان بعض الدول استعملته كسلاح على ارض المعركة فأوقفت تصديره وبيعه اثناء الازمات السياسية. اما اليوم وقد زادت تحديات العصر، بيئية كانت ام اجتماعية من ناحية التوظيف، اصبحنا نراه وراء مشاكلنا كلها. إن هبط سعره اوقفت الاعتمادات وشحت المشاريع وزادت الضغوط المالية فتحولت نظرتنا له الى نظرة شبه عدائية ورحنا نبحث عن بدائل عنه، بدائل نظيفة وكأنه وسخ، بدائل مستدامة وكأن احتياط العالم منه قد نفق. بعد فترة عزّ دامت لقرن تقريباً، هاهو يهبط من منزلة الفخر والاعتزاز الى درك المسبب للمشاكل والمعضلات.
في هذا التخبط في العرض والطلب عليه، وأثار الحروب، والعقوبات، وضعف المنظمات التي تتحكم بأسعاره، وظهور التقنيات الحديثة، وهمّ الاحتباس الحراري، اين يقع الغاز؟ اذ اننا لا نسمع عنه الكثير.
في الواقع ان الغاز في السلطنة هو اليوم النجم الصاعد في عالم الطاقة وتليه الطاقة الشمسية وهي لاتزال في المهد.
في الإستكشاف- نجحت عدة شركات خلال السنوات القليلة الفائتة في اكتشاف حقول كبيرة للغاز الطبيعي في السلطنة وذلك في حقل خزان مع شركة بي بي (BP) وشركة نفط عمان للإستكشاف والانتاج (OOCEP)وامتداداته الى حقل غزير، وحقل مبروك مع شركة (PDO) تنمية نفط عمان الذي اعتبر ثامن اكبر اكتشاف للغاز في العالم لسنة 2018 وتوسعات الحقول المنتجة مثل سيح رول وجبال وغيرهما، مما عزّز المخزون المؤكد من الغاز الطبيعي خلال السنوات القليلة الفائتة.
في الانتاج - منذ ان بدأ حقل خزان بالانتاج ورفعت باقي الحقول كفاءتها الانتاجية، زاد انتاج الغاز عندنا بمعدل 30% تقريباً ومن المتوقع ان يضيف حقل خزان خلال السنتين القادمتين زيادة قد ترفعه الى حوالي 50%. وقد ظهرت فوائد هذا الانجاز في الحسابات النهائية لموازنة 2018 حيث ارتفع الدخل من الغاز الى ارقام اعلى من ارقام السنوات الفائتة.
في الاستثمارات - هذا الوضع الواعد للغاز استهوى كبار الشركات المنتجة العالمية ومنها دائرة شركة بي بي المعنية بالاستثمار وشركة توتال الفرنسية وشركة شل طبعاً وقد دخلت تلك الشركات في مباحثات اولية مع وزارة النفط والغاز الموقرة من اجل هذا الغرض اي الاستثمار، والجدير بالذكر ان الحديث عن القيمة المحلية المضافة لايغيب ابداً عن تلك المباحثات. مثلاً هناك فكرة لإنشاء مصنع لتسييل الغاز في صحار وتخزينه وبيعه مباشرة الى السفن التجارية.
في الاستهلاك - يزداد الطلب سنوياً على الغاز محلياً وبوتيرة عالية بسبب انتعاش قطاع الصناعة بشكل خاص. مما يضطرنا حالياً الى متابعة شراء كمية من الغاز من دول مجاورة. اين يستعمل هذا الغاز الطبيعي حالياً؟ تستهلك الصناعات المحلية المختلفة حجماً كبيراً منه إن كان للمصانع الفولاذية او الحديدية او الالمنيوم او الاسمدة الكيماوية او البتروكيماويات مثل الميثانول والمواد البلاستيكية( شركة اوكتال في صلاله على سبيل المثال) وهناك مشاريع اخرى عملاقة تتطلب الغاز ومنها مجمع لوى للمواد البلاستيكية ومصفاة الدقم وملحقاتها. والجزء الكبير الآخر يستعمل لانتاج الكهرباء وتحلية المياه في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على الكهرباء والماء سنوياً (وهنا تكمن الفائدة من استعمال الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء لتخفيف الاعتماد على الغاز). وكذلك هناك كمية من الغاز الطبيعي التي يتم تسييلها في صور وتصديرها الى الاسواق العالمية. كما ان قسماً يستعمل في عمليات استخراج النفط اما عن طريق اعادة ضخ الغاز او استعماله في انتاج البخار في تقنيات الانتاج المعزز او حرقه في الفضاء على بعض الحقول. كذلك هناك جهود كبيرة لإنتاج البخار عن طريق حرارة الشمس، لتحقيق نفس الغرض اي للتقليل من استعمال الغاز. وكذلك مشاريع لاعادة استعمال الجزء الذي يحرق هدراً.
امام هذا المشهد المتشعب في الانتاج ام في الاستهلاك المحلي او في التصدير كان لابد من تنظيم الأولويات وإدارة ملف الغاز بشكل علمي يؤمن المصلحة العامة على احسن وجه. من هنا وجب تحديد جهة تعنى بإدارة ملف الغاز للتخلص من الاعتماد على شراء جزءٍ منه من الخارج، وانتاج الكهرباء والماء، وتلبية احتياجات القطاعات المستهدفة في برامج تنفيذ، خصوصاً الصناعات التحويلية، وزيادة القيمة المحلية للغاز قبل تصديره، وايجاد تقنيات تخفف من استهلاكه في عملية انتاج النفط وهدره حرقاً. من اجل ذلك جاءت توصية خارجة عن مختبر تنفيذ لقطاع الطاقة لضم ملف الكهرباء الى وزارة النفط والغاز للتنسيق بين جميع المعنيين بهذا النجم الصاعد والساطع. وصدر المرسوم السلطاني والحمدلله لتلبية تلك التوصية.
من الفوائد المكتسبة لمختبرات تنفيذ هي جمع الشركاء في مكان واحد ولفترة كافية لتبادل الافكار واستنباط الحلول واعتمادها كأساس للعمل . تلك المختبرات اعطت الفرصة للكفاءات العمانية الشبابية ان تظهر على الساحة فتزيدنا ثقة بأنفسنا وبمستقبلنا.