ألف شمس ساطعة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٥ ص

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

الرواية الجاذبة لدور النشر نحوها مؤكد أنها تتمتع بذائقة بعيدة التخيّل، إما صوب انتهاكاتها لما يسمّى بالتابوهات والثوابت التي تربّت عليها المجتمعات، بخاصة المحافظة، أو لأنها تقدم المختلف بإبهار لافت.. أو أنها تمثّل ذاكرة أمة، كما فعلت الملاحم قديما، الإلياذة والأوديسة والشاهنامة، وغيرها من الأعمال الكتابية الخالدة، كانت في الزمن القديم أقرب للشعر، وفي عصرنا أصبحت الرواية ديوان الشعوب لكتابة عبور التاريخ عليها.

وجدت في رواية خالد حسيني «عدّاء الطائرة الورقية» كتابة لافتة للتاريخ الأفغاني، وما مرّ على هذه الأرض من تعاسات، إثر سقوط الملكيّة، ووصول السوفييت، ثم احتراب المجاهدين وتغيّر تحالفاتهم وفق حسابات الغنائم «الدنيوية» ثم وصول الطالبان مع حسابات أخرى ينظر إليها على أنها «أخروية» تبتغي الشهادة.. ولو بقتل المزيد من البشر، طالما أنه يمكن القول إنهم ملحدون وكفرة وأتباع الشيطان.

قادتني الصدفة مرة أخرى إلى رواية أخرى لهذا الكاتب الذي عرّفني على أعماله الصديق د. سعيد السيابي، فاقتنيت روايته «ألف شمس ساطعة».. ورغم ضخامة عدد أوراق روايات خالد حسيني إلا أنها صخب إنساني هائل المعنى، تمنيت أن يختصره في صفحات أقل لأن الرسالة وصلت قبل أن يمضي في مفهوم الحبكة الحكائية/‏‏‏ السينمائية في الغرب الآسيوي القائمة على المفارقات والنهايات السعيدة بضحكة البطل رغم كل الجراحات التي تثقل كاهله، وأفقدته معظم أفراد أسرته.

في «عدّاء الطائرة الورقية» كان البطل الرجل، معايشته لزمنين أفغانيين، قبل الحرب وبعدها، ثم المنفى، لكنه ليس بحجم معاناة المرأة في «ألف شمس ساطعة» كأنما كل صفحة فيها تفتح نزفاً على أوجاع امرأة، تبدأ مع معاناة «نينا» المرأة التي ينفيها الرجل الثري مع ابنتها مريم «الحرامي»، وتعني ابنة الحرام، خشية من نسائه الثلاث وفضيحته بوجود علاقة بينه وهذه المرأة التي تطلب لقمة عيشها في بيته الكبير..

قبل أن تكبر مريم تتزوج برجل يكبرها بعشرات السنين.. الطفلة التي تكاد تتعثّر في أحلام طفولتها تترقب والدها جليل أن يأتي ويحملها إليه حيث المدينة والبيت الكبير بدل نفيها مع أمها إلى «عشّة نائية»، لكنها ترتبط برشيد» الجلّاد الآخر بما يكفي لكتابة ملحمة من معاناة المرأة وتابعيّتها للرجل كملكية يجوز له التصرف بها، وإخضاعها لصنوف الضرب والتنكيل بها، سجنها، خنقها، تجويعها، سدّ منافذ الهواء عنها، حيث الاختيارات ذكورية، ولا تملك المرأة سوى الإذعان.

في قصص تلك النساء، ملحمة أفغانستان وتاريخها المعاصر، التحولات على كابول، عاصمته التي كانت مدينة تعرف الضوء والحرية، لكن زحف القتلة عليها وقصفها من الجبال المحيطة بها حوّلها إلى كارثة إنسانية بقيت شاهدة على تاريخ حطّم جمال المدينة وإنسانيتها، مرّت عليها صنوف القتلة، كل لديه مبرره للقتل والتدمير والتشريد..

رواية تحفة جديرة بأن يباع منها ملايين النسخ.. ويكفي مؤلفها شرفاً أن يؤسس جمعية تحمل اسمه هدفها تقديم الدعم والعون لضحايا ما مرّ على بلاده من حروب مدمرة.. لعل الشمس الساطعة تشرق من جديد إلى أفغانستان، شمس الحرية والعلم.