ممر إفريقيا الأوسط إلى التنمية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
ممر إفريقيا الأوسط إلى التنمية

سيمبليس أسونجو

عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الصين ــ واستراتيجيات التنمية عموما ــ هناك معسكران متضادان في إفريقيا. ولكن المنهج الذي سوف يُحدِث أكثر تقدُّم ممكن هو (ممر أوسط) يبسِّط التناقضات ويقدم رؤية متوازنة وملائمة وعملية يمكن للإفريقيين الاتحاد خلفها.
هناك على أحد جوانب المسألة المتفائلون بالصين. يقولون إن التعاون مع الصين قد يُمكِّن إفريقيا من رسم مسارها الخاص للتنمية، مستقلةً عن وصفات السياسة الغربية. هذه المجموعة مؤيدة (لنموذج بكين) في الحكم، الذي يركز على السيادة الوطنية وسيطرة الدولة.
وعلى الجانب الآخر هناك المتشائمون من الصين. وهُم يخشون أن تُؤثِر الديناميكية في العلاقات الصينية-الإفريقية الصين دائما. يفضِّلون منهج الغرب الموجَّه نحو الديمقراطية، الذي يؤكد على الحقوق الفردية، التي ترسخها أجندة السوق الحرة المجسدة في إجماع واشنطن المزعوم.
تشكل المجموعة الثالثة (المتكيفين مع الصين)، الذين يجمعون بين أهداف المتفائلين وبين خشية المتشائمين. يؤكدون على الحاجة إلى استراتيجية إفريقية مشتركة تجاه الصين تقلل من عدم تناسق العلاقة. يناصر المتكيفون، الممثَّلون في الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، ولكنهم يعارضون التدخل الغربي، مثلهم في ذلك كمثل الصين.
أحد أسباب كون مبدأ عدم التدخل ضرورياً للغاية هو أن الدول الإفريقية، مثلها مثل الصين، لطالما شكَّت في وجود انحياز غربي بارز في مفهوم (حقوق الإنسان الأساسية). فبينما تتحرك الدول الغربية على نحوٍ متزايد لحماية حقوق المثليين على سبيل المثال، ارتفع التوقع بأن يحذو مُتلقو المساعدات حذوها، واضعين مثل هذه الحقوق في مكانة أعلى من (الحقوق الوطنية) للحكومة. منعت الولايات المتحدة وأوروبا عام 2014 المساعدات عن أوغندا، بسبب قانون يفرض عقوبات على الأنشطة مثلية الجنس.
يتضح جلياً انحياز مشابه في انتقاد الغرب ــ والمتشائمين من الصين المؤيدين للغرب في إفريقيا ــ لدبلوماسية الصين المزعومة القائمة على الموارد في إفريقيا. فمنهج الصين لا يختلف في النهاية عن العلاقات طويلة الأمد القائمة على النفط بين أمريكا ودول مثل السعودية. وليس الأمر كأن قيم (الحرية والمساواة والأخوة) هي ما كانت تشكل التورط التاريخي للديمقراطيات المحترمة، مثل فرنسا، في إفريقيا.
وفي هذا السياق، بينما من الواضح أن حماية الدول الإفريقية حقوق مواطنيها الفردية أمراً ضروريا، لا ينبغي للرؤى الخارجية لما يشكل هذه الحقوق أن تتخطى السلطة السيادية الشرعية. وكذلك لا ينبغي للقانون الدولي أن يخلق مساحة لبعض الدول كي تنتقد دولاً أخرى وتعاقبها بسبب مسائل تكون تسويتها بالتوافق مع القانون والديمقراطية الداخلية. ويشمل هذا التطبيق الانتقائي للقانون من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية.
هناك صدام آخر تهدف (نيباد) إلى حله هو ذلك الصدام بين الحقوق الاقتصادية، أو (الحق في الخُبز)، الذي يوليه مؤيدو نموذج بكين الأولوية، وبين الحقوق السياسية، أو (الحق في التصويت)، الذي يؤكد عليه المعسكر المؤيد للغرب. المفتاح هنا هو التسلسل.
بالنظر إلى أن الشخص الذي يتضور جوعاً سيتنازل على الأرجح عن صوته في مقابل بعض الخبز، يمكن للمرء أن يظن أنه لا بد من تحقيق مستوى معين من الازدهار قبل أن تصبح الحقوق السياسية هي الأولوية القصوى. ومهما كان التزام المتشائمين من الصين تجاه الأسواق الحرة، لا سبيل لإنكار أن اقتصاد الصين الذي تسيطر عليه الحكومة قد أخرج ملايين الناس من الفقر وخلق طبقة وسطى متنامية بسرعة. يشير هذا إلى أن الدول الإفريقية ستنتفع كذلك من تركيز مشابه على النمو الاقتصادي، وهو ما سيتطلب الانخراط مع اقتصادات ديناميكية مثل اقتصاد الصين.
في الحقيقة، بينما قد لا يُعجب المتشائمون بفكرة وجود روابط أقرب مع الصين، ينبع السبب وراء كونها ضرورية ــ العولمة الاقتصادية ــ في الواقع من مبادئ إجماع واشنطن الذي يُقدِّرونه للغاية. على أي حال، بمجرد تأسيس طبقة وسطى قوية، يمكن للتركيز أن ينتقل إلى بناء ديمقراطية ليبرالية مستدامة وذات مصداقية.
لقد أكدت نتيجة ثورات الربيع العربي عام 2011 على الحاجة إلى منهج ذي شقين للتنمية، يمزج نموذج بكين بإجماع واشنطن. كان غياب الفرص الاقتصادية دافعاً كبيراً للمظاهرات المؤيدة للديمقراطية في تونس ومصر وغيرهما، ولكن لم ينجح كثيراً الاعتقاد بأن الحق في التصويت سوف يدعم الحق في الخُبز.
رغم إسقاط الأنظمة السلطوية، أثبتت مصر في الحقيقة حتى الآن عدم قدرتها على بناء حكومات ديمقراطية ذات مصداقية أو فرض حكم القانون بصورةٍ فعّالة، ويظل التغيير في تونس طفيفا، وليبيا أسوأ كثيرا ــ اقتصادياً وسياسيا ــ مما كانت قبل عام 2011. ربما إذا كانت الحقوق السيادية قد احتُرمت على نحوٍ أفضل، مع دعم القوى الخارجية عمليات بناء التوافق بدلاً من الانقلابات، كانت الطفرات السياسية لتتحقق، فاتحةً الطريق أمام المبادرات المُعززة للاقتصاد على خلفيات مستقرة نسبيا.
ولكن يبدو أن الغرب لم يتعلم الدرس بعد. لطالما طالب بالتأكيد بتنازل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة قبل أن يمكن لعملية سلام ذات مصداقية أن تبدأ. برغم أن قادة الغرب قد لطّفوا من موقفهم في الأشهر الأخيرة، إلا أن الضرر كان قد وقع: شنَّ الأسد، غير الواثق من نجاته الجسدية، حرباً أهلية مريعة، انتفع منها تنظيم داعش بدرجةٍ كبيرة، ويظل الأسد حتى الآن في السلطة.
ليس المقصود من أي من هذا التغاضي عن السياسات القمعية للقادة السلطويين ــ من حسني مبارك رئيس مصر حتى معمر القذافي رئيس ليبيا ــ الذين أُسقِطت أنظمتهم. ولكن الغرض هو التأكيد على الفوائد المحتملة لمنهج موجه أكثر نحو الاستقرار، يتوافق فيه الدافع نحو تأمين الحقوق السياسية مع مبادئ احترام الحقوق السيادية والوطنية المنعكسة في نموذج بكين.
إن انخراط الصين المتنامي في إفريقيا مهم، ليس فقط من أجل الفوائد الاقتصادية التي يمكنها تقديمها، ولكن كذلك من أجل الأثر الذي يمكنها أن تخلفه على استراتيجيات التنمية. وقد تتمكن الدول الإفريقية من تحسين آفاق تنميتها بدرجةٍ كبيرة، بالاستعانة بمنهج يدمج النموذج الصيني في النموذج الغربي ــ يوازن بين حقوق الإنسان والمصالح الوطنية، وبين الحقوق الفردية والسلطة السيادية، وبين الحقوق السياسية والأهداف الاقتصادية.

خبير اقتصادي بقسم البحوث في المعهد الأفريقي للحوكمة والتنمية.