النسخة الإيطالية لترامب

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
النسخة الإيطالية لترامب

بيل إيموت

لقد حظي صعود نجم الملياردير دونالد ترامب في السباق الرئاسي الأمريكي بمزيج من الرعب والجاذبية وبينما تتوالى النجاحات على حملته والتي كانت موضع سخرية في السابق –آخر تلك النجاحات كانت في الإنتخابات التمهيدية في ميتشيجان وميسيسبي- فإن النقاد يحاولون جاهدين العثور على قصص مشابهه من التاريخ أو من خارج البلاد يمكن أن تسلط الضوء على هذه الظاهرة وبينما لا توجد مقارنة كاملة فإن أفضل مقارنة هي مع سيلفيو بيرلسكوني قطب الإعلام الإيطالي والذي خدم كرئيس وزراء إيطاليا لثلاث فترات وهو نموذج لا يبعث على الإطمئنان .
بالطبع يتشارك بيرلسكوني وترامب ببعض أوجه الشبه الظاهرية بما في ذلك الزيجات المتعددة والإسلوب المبتذل ولكن أهم الخصائص – وأكثرها إثارة للقلق- والتي يشترك فيها الإثنان هي القدرة على إستبدال الجوهر بفن البيع والإستعداد لإستخدام الأكاذيب الصريحة من أجل الدعاية والحصول على الأفضلية بالإضافة الى حرصهم على تخويف النقاد من أجل دفعهم للصمت .
إن المنابر السياسية لبيرلسكوني وحتى إيدولوجيته الأساسية كانت على الدوام تفتقد للثبات والتماسك وخلال حملاته الإنتخابية الناجحة كان يقول أي شيء من أجل الفوز بالإصوات وخلال وجوده في المنصب لثلاث فترات إستخدام نفس التكتيك من أجل تشكيل التحالفات فلقد كانت إجندته الوحيده هي حماية مصالحه التجارية أو دعمها .
لقد أتبع ترامب لغاية الآن الإستراتيجية نفسها حيث يقول أي شيء للحصول على الأصوات ولكن السؤال هو ماذا سيعني هذا لو تمكن ترامب من الوصول للبيت الأبيض . إن نظام الضوابط والتوازنات الذي رسخه الدستور الأمريكي لديه قدرة لا مثيل لها على منع أي فرع من الحكومة من الخروج عن السيطرة ولكن التلاعب بالرأي العام هو سلاح قوي في أية ديمقراطية وهو سلاح يعرف ترامب مثل بيرلسكوني كيفية إستخدامه أكثر من معظم الناس.
تكمن أعظم نجاحات بيرلسكوني – وخاصة خلال الفترات التي تولى فيها منصبه 2001-2006 و2008-2011 ( بالإضافة إلى 1994-1995) – في تلاعبه بوسائل الإعلام والرأي العام وعلى الرغم من أن إيطاليا معروفة بثقتها الضعيفة بالحكومات حيث يقر معظم المواطنين بشكل عام بإن كل شخصية عامة تقريبا تهدف لخدمة مصالحها الذاتية ،إلا أن بيرلسكوني تمكن من تخدير الوعي الشعبي بشكل أكبر فلقد إستطاع بطريقة أو بأخرى أن يجعلهم يعتقدون بإن كل شيء على أحسن ما يرام بالنسبة لإقتصادهم ومجتمعهم وحتى في أعقاب الأزمة الإقتصادية العالمية لسنة 2008 عندما كان واضحا أن الأمور لم تكن على ما يرام . لقد خسرت إيطاليا تحت قيادته سنوات عديدة كان يتوجب على حكومته خلالها السعي لتحقيق إصلاحات حيويه .
كيف أستطاع بيرلسكوني تحقيق ذلك ؟ إلى حد كبير بإستخدام النكته والكذبة والإبتسامة وعندما لم ينجح ذلك لجأ إلى التنمر والتسلط بما في ذلك من خلال دعاوى التشهير.
في واقع الأمر كان هناك قلة من أقطاب الإعلام- بيرلسكوني يمتلك القنوات التلفزيونية التجارية الرئيسية في إيطاليا وعدة صحف يومية ( سواء بشكل مباشر أو من خلال عائلته ) – بمثل هذه الجرأة في إستخدام دعاوى التشهير من إجل إسكات الصحفيين والنقاد الآخرين. لقد ذكر الكاتب الإيطالي الشهير المعادي للمافيا روبرتو سافينو "آلة الطين " التي كان يستخدمها بيرلسكوني من أجل تشويه سمعة أي شخص يتجرأ على الوقوف في وجهه ( أعلن أنني عندما كنت رئيسا لتحرير جريدة الايكونومست كنت هدفا لقضيتي تشهير من قبل بيرلسكوني ).
إن كل هذه التكتيكات موجودة لدى ترامب فهو عدائي مع خصومه وخاصه في وسائل الإعلام وخلال حياته المهنية كان عادة ما يرفع دعاوى التشهير ولقد قال إنه لو فاز بالرئاسة سوف يسعى للتحكم بالنقد في وسائل الإعلام ولكن على الرغم من ذلك فإن رسالته الأساسية تنم عن التفاؤل ويتم تقديمها بروح النكتة وبإبتسامة عريضه وكما أظهر بيرلسكوني فإنه عندما يشعر الشعب بالغضب أو خيبة الأمل كما هو الحال في أمريكا اليوم فإن هذه المقاربة يمكن أن تكون فعالة للغاية ولفترة طويلة جدا .
لقد سلط النقاد الذين يستحضرون المقارنة مع بيرلسكوني الضوء على إختلاف واحد بين هذين المليارديرين المغرورين فهم يقولون أن بيرلسكوني على أقل تقدير يمتلك بعض السحر وهو يتمتع بفطنة تجارية أكبر بكثير من ترامب. إن هذا التقييم ليس فقط ينطوي على إطراء كبير بحق بيرلسكوني بل إنه يخاطر كذلك بتصوير ترامب على أنه أقل خطورة من نظيره الإيطالي.
الحقيقة هي أنه بينما من المؤكد أن بيرلسكوني لديه شخصية ساحرة فإن تزايد قاعدة الدعم لترامب توحي بإن هولاء الناس يرون سحرا معينا فيه كذلك وإن كان ترامب أقل جاذبية من بيرلسكوني . إن مما لا شك فيه أن بيرلسكوني يمتلك الفطنة التجارية ولكنه مثل ترامب قد إرتكب الكثير من التجاوزات من أجل تحقيق ذلك . إن العلاقات بين المساعدين المقربين لبيرلسكوني وعائلات المافيا المختلفة في إيطاليا موثقة بشكل جيد.
لكن أي من هذا لا يعتبر مهما على وجه الخصوص فيما يتعلق بآثاره على الولايات المتحدة الأمريكية اليوم . إن المهم هو أن كلا من ترامب وبيرلسكوني هم أشخاص بدون رحمة ومستعدون لأن يلجأوا لأي وسيلة من أجل تحقيق الأهداف التي تخدم مصالحهم.
ونظرا لذلك فإن الإستخفاف بترامب سوف يكون خطأ كبيرا فهو دائما أقوى وأكثر تحملا وأكثر تحايلا من المتوقع والطريقة الوحيدة لتجنب كارثة على مستوى بيرلسكوني – أو أسوأ- هو الإستمرار في إنتقاده وفضح أكاذيبه ومساءلته عن أقواله وأفعاله بغض النظر عن الإهانات أو التهديدات التي قد يوجهها لمن يقومون بذلك .
إن الكثير من الإيطاليين لم يهتموا بأكاذيب بيرلسكوني وفشله حيث إعتقدوا أنه سوف يختفي قريبا بعد أن يكون قد عمل القليل من الضرر ولكنه لم يختفي وعمل الكثير من الضرر. إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع تحمل الخطأ نفسه . إن ثمن الحرية كما يحب الأمريكيون القول هو اليقظة الأبدية علما أنه لن يكون هناك أي خصم أو تخفيض عند مواجهة ترامب.

رئيس تحرير سابق لصحيفة الإيكونومست