خالد البحيري
ست سنوات تقريباً مضت على رحيل فارس القلم ورائد الصحافة العمانية المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ عيسى بن محمد الزدجالي مؤسس مجموعة مسقط للإعلام ورئيس تحرير «تايمز أوف عمان» افتقدته خلالها الصحافة العمانية وافتقدت معه أطروحات نيرة كانت تنبض بنهضة وطن وطموحات شعب.
فقد كانت لهذا الرجل «وجهة نظر» يصول من خلالها ويجول متنقلا بين أنواع المقالات ودروب الكلمة ما بين الذاتي والإنساني، الاقتصادي والاجتماعي، التشريح السياسي والرصد الواقعي، الشأن المحلي وقضايا الوطن العربي الكبير، فالثقافة الواسعة والخبرة الممتدة عبر عقود جعلت من الرجل مرجعا تاريخيا عايش لحظات السعادة وأوقات الوجع، شهد أمته وهي تتجرع كأس هزيمة ويغرس فيها قسرا كيان غريب في فلسطين قلب العروبة النابض، وشهد أمته وهي تعبر مع جنود مصر لتحطم خط «بارليف» إلى آفاق التحرر واستعادة الكرامة، رأي السودان وهو يئن تحت وطأة الانفصال فكان قلمه ينزف على دولة مزقتها المؤامرات وحيكت ضدها الفتن.
وعن فلسطين حلم العروبة المسلوب وقدسها المحاصر كتب الزدجالي بعنوان: «فرصة تاريخية أمام الأمة العربية» يقول: «الأحداث التي يعيشها لبنان حاليا تضع العرب أمام فرصة تاريخية وتمنحهم ظروفا ملائمة على طبق من ذهب لإعادة تشكيل علاقتهم مع «إسرائيل» وصياغة خريطة المنطقة بشكل جديد يتلاءم مع الصورة الحقيقية لـ «إسرائيل التي أثبت الميدان انها نمر من ورق ولا مكان لها في ميزان القوى لولا الدعم الامريكي واذا لم يستغل العرب هذه الفرصة فإنهم سيندمون بلا شك، لكن حيث لا ينفع الندم».
وهو هنا يؤرخ بقلمه للفترة التي استطاع فيها حزب الله اللبناني إحراج إسرائيل وطردها من الجنوب نتيجة مقاومة شديدة وبالفعل كانت إسرائيل في موقف لا تحسد عليه وكان بإمكان العرب استغلال ظرف الترهل لاستنقاذ حقهم المسلوب من بين أنيابها لكن يبدو أن العرب لم يفهموا جيدا رسالة الزدجالي التي أفصح عنها صراحة دون مواربة بقوله في ختام المقال المشار إليه أعلاه: «لا شك أن كل الظروف أصبحت ملائمة لتوجيه ضربة عربية لـ «إسرائيل» بمختلف الطرق تجعلها تدرك حجمها الحقيقي للتخلص من هذا السرطان الذي ينخر جسم الأمة العربية خاصة أن العرب يملكون كل الإمكانات اللازمة والفرصة مواتية بعدما سقطت ورقة التوت ورأى العالم أجمع الوجه البشع لإسرائيل».
ومن فلسطين إلى السودان إبان إعلان نتيجة الاستفتاء على انفصال الجنوب، حيث كتب الزدجالي بعنوان: «العالم يتحد.. والسودان يقسّم» يقول: «لكن ليس كل ما يتمنى المرء يتحقق، ودارت الأيام واختار «الجنوب السوداني» أن يبتعد ويستقل بذاته في طريق مجهول حتى الآن».
وكأن الرجل كان يقرأ دراما ما بعد الانفصال التي نشاهدها نحن الآن بعد رحيله فالدولة الوليدة المنفصلة تعاني انفصالا أو تمردا داخليا وبرغم ثراء مواردها الطبيعية لا تزال مشكلات كثيرة عالقة بين الشمال والجنوب مما اسفر عن نزوح الآلاف كل يوم من طالبي الاستقرار و«كسرة الخبز» ولذلك ما أدق أن يقول الزدجالي «طريق المجهول».
وكأن الرجل كان ينظر إلى صحيفة نيويورك تايمز وهي تنشر خرائط تقسيم الوطن العربي مع أن ذلك لم يعلن عنه إلا بعد وفاته بعدة شهور حيث أوردت خريطة جديدة تظهر تقسيم 5 دول في الشرق الأوسط إلى 14 دولة.. لافتة إلى أن خريطة الشرق الأوسط الحديث الذي يُعد المحور السياسي والاقتصادي في النظام الدولي في حالة يرثى لها، بحسب الصحيفة.
ومثلما كان الرجل موسوعة عربية ودولية يجول بقلمه بين مختلف القضايا العربية والدولية كان يسطر كذلك تاريخا صادقا لنهضة هذا الوطن بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ومن يتتبع مقالات الزدجالي يجده مؤمنا أشد الإيمان ببلاده ونهضتها ففي زاوية «وجهة نظر» كتب يقول: «لا أعتقد أن هناك إنسانا واحدا يعيش على هذه الأرض الطيبة سواء كان مواطنا أو مقيما يخالفني الرأي في أن السلطنة أصبحت واحدة من الدول العصرية المتقدمة، من حيث التنمية الشاملة التي شهدتها البلاد عموما، وبالأخص فيما يتعلق بمنظومة القوانين التي وضعتها البلاد لإقامة العدل وحفظ حقوق الجميع على أراضيها».
وللحديث بقية الأسبوع المقبل.