عامل الخوف في الأسواق العالمية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/مارس/٢٠١٦ ٢٣:١٠ م
عامل الخوف في الأسواق العالمية

كينيث روجوف

ترجع التقلبات الهائلة التي شهدتها الأسواق العام الماضي في عموم الأمر إلى مخاطر وشكوك حقيقية حول عوامل مثل النمو الصيني، والبنوك الأوروبية، وتخمة النفط. أما عن أول شهرين من هذا العام، فقد شعر العديد من المستثمرين بالفزع من أن تكون حتى الولايات المتحدة، الدولة صاحبة قصة النمو الأكثر طمأنة في العالم، على وشك الانزلاق إلى الركود. بل إن 21% من الخبراء الذين شاركوا في استطلاع الآراء الشهري الذي تجريه صحيفة وال ستريت جورنال يعتقدون أن الركود بات قاب قوسين أو أدنى.
لن أنكر وجود المخاطر. ذلك أن أي ضربة قوية بالقدر الكافي يتلقاها النمو في الصين أو النظام المالي في أوروبا قد تحول دفة الاقتصاد العالمي من النمو البطيء إلى الركود. والفكرة الأشد إثارة للخوف هي أن الرئاسة الأميركية، بحلول هذا الوقت من العام المقبل، ربما تتحول إلى استعراض لتلفزيون الواقع.
بيد أن الأساسيات ليست بهذا السوء من منظور الاقتصاد الكلي. فقد كانت أرقام تشغيل العمالة قوية، وثقة المستهلك صلبة، وقطاع النفط ليس كبيراً كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بالقدر الكافي لكي يؤدي انهيار أسعاره إلى تركيع اقتصاد الولايات المتحدة. الواقع أن محرك مشاعر السوق الذي يحظى بالقدر الأقل من التقدير لقيمته الحقيقية في الوقت الحالي هو الخوف من اندلاع أزمة ضخمة أخرى.
فهناك بعض أوجه التشابه بين حالة القلق والانزعاج اليوم ومشاعر السوق التي سادت خلال العقد التالي للحرب العالمية الثانية. ففي الحالتين، كان الطلب كبيراً للغاية على الأصول الآمنة. (بطبيعة الحال، لعب القمع المالي أيضاً دوراً كبيراً بعد الحرب، في ظل حكومات كانت تفرض الديون فرضاً على مستثمري القطاع الخاص بأسعار فائدة أدنى من أسعار السوق).
لا يحتاج الناس اليوم إلى تذكرتهم إلى أي مدى وبأي سرعة قد تسقط سوق الأسهم. فبعد الأزمة المالية عام 2008، هبطت الأسهم الأميركية بأكثر من 50%. وكان هبوط أسواق الأسهم في بعض بلدان أخرى أكبر كثيرا: فقد هبطت سوق الأسهم في أيسلندا على سبيل المثال بأكثر من 90%. ولا عجب أن يتساءل الناس، بمجرد وصول انخفاض السوق مؤخراً إلى 20%، إلى أي مدى قد تسوء الأمور ــ وما إذا كانت المخاوف من ركود جديد لتتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها.
الفكرة هي أن المستثمرين اعتراهم القلق الشديد بشأن الركود وانخفاض أسواق الأسهم حتى الآن، حتى أن مشاعر الهبوط أصبحت تؤثر على الاقتصاد الحقيقي من خلال التراجع الشديد في الإنفاق، وهو ما من شأنه أن يجلب الانكماش حقا. ولعلهم على حق، حتى ولو غالت الأسواق في تقدير مدى تأثيرها على الاقتصاد الحقيقي.
ومن ناحية أخرى، تشير حقيقة تمكن الولايات المتحدة من المضي قدماً برغم الرياح العالمية المعاكسة إلى أن الطلب المحلي قوي. ولكن لا يبدو أن هذا يكفي لإقناع الأسواق. حتى أن المستثمرين الذين لا زالوا متفائلين بحذر بشأن الاقتصاد الأميركي يخشون أن ينظر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى النمو باعتباره سبباً للاستمرار في رفع أسعار الفائدة، وبالتالي خلق مشاكل كبيرة للاقتصادات الناشئة.
لا يخلو الأمر من تفسيرات أخرى للتقلبات إلى جانب الخوف بطبيعة الحال. والتفسير الأكثر بساطة هو أن الأمور ربما تكون بهذا القدر من السوء حقا. ولعل المخاطر الفردية ليست على نفس المستوى من حيث الحجم
بيد أن التفسير الأكثر إقناعاً لا يزال أن الأسواق تخشى أن يكون الساسة وصناع السياسات غير فعّالين في مواجهة المخاطر الخارجية عندما تنشأ. وبين كل نقاط الضعف التي كشفت عنها الأزمة المالية، كان الشلل السياسي نقطة الضعف الأشد عمقا.
كينيث روجوف كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي،