طريق روسي إلى إفريقيا

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٢/يناير/٢٠١٩ ٠٣:٤٩ ص

سارة فوير
آنا بورشفسكايا

منذ استلامه السلطة رسمياً في مايو 2000، سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إحياء نفوذ روسيا في المناطق التي خسرها الكرملين خلال تسعينيات القرن الفائت. وعلى الرغم من أن جهوده كانت أكثر وضوحاً في الشرق الأوسط، إلّا أنّه استهدف أيضاً شمال أفريقيا حيث توجد لموسكو مصالح جيوستراتيجية واقتصادية وسياسية.

وقد أدّت أحداث «الربيع العربي»، التي انطلقت من شمال أفريقيا، إلى تقويض النفوذ الذي سعى بوتين جاهداً إلى استعادته وعززت تصوّر الكرملين بأن الغرب يقف وراء جميع الحركات الاحتجاجية التي استهدفت تفكيك الأحكام الاستبدادية. ووفقاً لتقديرات بوتين، يعتمد تفوّق روسيا على مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. ويخدم توسيع رقعة النفاذ إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط هذا الهدف الأشمل من خلال إرساء موطئ قدم في منطقة نفوذ أوروبية والحدّ من قدرة الولايات المتحدة على المناورة عسكرياً. ومن الناحية الاقتصادية، توفر منطقة شمال أفريقيا فرصة لروسيا لبيع الأسلحة، وبناء شراكات في قطاع الطاقة، والاستثمار في تطوير البنية الأساسية. ويمكن لموسكو أيضاً أن تدّعي أنها متواجدة في المنطقة لمكافحة الإرهاب.

إن علاقات روسيا الأكثر قوة هي مع ليبيا والجزائر، الحليفتان السابقتان من فترة الحرب الباردة. ولكن حتى الروابط الثنائية مع المغرب وتونس قد نمت خلال السنوات الأخيرة. ومن الناحية السياسية، تميل موسكو إلى حدّ كبير نحو الجنرال خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني الليبي» في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. فروسيا ترى فيه رجلاً قوياً ناشئاً يعلن كراهية مشتركة تجاه الجماعات المتطرفة. ومنذ عام 2001، عندما وقعت روسيا والجزائر إعلاناً للشراكة الاستراتيجية، توطدت العلاقات الثنائية في القطاع العسكري بشكل خاص. وفي عام 2006، أبرمت روسيا اتفاق أسلحة مع الجزائر بقيمة 7.5 بليون دولار - وهو أكبر عملية بيع للأسلحة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي - شمل برنامج لتحديث الجيش الجزائري وتدريبه، إلى جانب إلغاء دين مستحق لموسكو منذ الحقبة السوفيتية بقيمة 4.7 بليون دولار. وقد ساهمت مبيعات الأسلحة في تزويد الجزائر بمعدات عسكرية إضافية، شملت طائرات هليكوبتر ودبابات وغواصات. وفي عام 2016، بدأت الجزائر وروسيا تتبادلان المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء شمال أفريقيا وأعلنتا خططاً إضافية للتعاون العسكري الأعمق.
وتَعتبر موسكو منشأ «الربيع العربي» - تونس- مركزاً محتملاً للشركات الروسية الراغبة في دخول الأسواق الأفريقية، ومنذ عام 2011 ركزت العلاقة الثنائية على مكافحة الإرهاب والطاقة النووية والسياحة. وفي عام 2016، بدأت موسكو تشارك تونس بصور التقطتها الأقمار الصناعية للجماعات الإرهابية المتنقلة في أنحاء المغرب العربي، في خطوة أثنى عليها المسؤولون التونسيون لاحقاً بفضل المساعدة التي وفرتها لإحباط العديد من الهجمات المرتبطة بشبكات التهريب على طول الحدود الليبية.
وبرز المؤشر الأوضح على تنامي الوجود الروسي في تونس في قطاع السياحة. ففي الفترة ما بين عام 2012 وأوائل عام 2016، هزت تونس سلسلة من الهجمات الإرهابية أدّت إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، وانخفاض عائدات قطاع السياحة فيها حيث امتنع السياح من أوروبا عن زيارة تونس. وبدأ الروس، الذين كانوا آنذاك ممنوعين من السفر إلى مصر وتركيا، بسبب النزاعات السياسية والمخاوف الأمنية، بملء الفراغ. ففي عام 2016، زار نحو 600 ألف سائح روسي تونس، في زيادة بواقع عشرة أضعاف عن العام الذي سبق وبنسبة تخطت 10 في المائة من عدد زوار البلاد في ذلك العام. وقد رحبت شركات التجزئة التونسية بوجود الروس، وأثنت الحكومة على المساعدة التي وفرتها روسيا في مجال مكافحة الإرهاب. كما اعترف المسؤولون علناً ​​بتأثير روسيا المتنامي في المنطقة. كما بدأت العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة في التعافي من هذه النقاط المنخفضة التي بلغتها، لكن المغرب يواصل توطيد «شراكته الإستراتيجية» مع روسيا، وهو ما يتجلى في الإعلان الذي صدر في أكتوبر حول إبرام إحدى عشر اتفاقية في قطاعيْ الزراعة والطاقة والقطاع العسكري، بما في ذلك اتفاقية تبدأ روسيا بموجبها في توريد الغاز الطبيعي المسال للمملكة.
في ظل غياب أي موقف حازم من جانب الولايات المتحدة، سيستمر على الأرجح اجتياح روسيا المتنامي لجميع دول المغرب العربي. وسوف تشكل هذه النتيجة تحدياً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة بالحفاظ على الاستقرار لصالح حلفائها من حلف شمال الأطلسي ومن غير حلف «الناتو» في المنطقة، وضمان حرية عمليات البحرية الأمريكية في جميع أنحاء البحر المتوسط، ودعم الجهات الفاعلة الإقليمية التي تعمل من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي.

زميلة «سوريف» في معهد واشنطن

آنا بورشفسكايا: زميلة «آيرا وينر» في معهد واشنطن