كن متقاعداً متألقاً

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠١/يناير/٢٠١٩ ٠٤:١٢ ص
كن متقاعداً متألقاً

محمد الراسبي

بمجرد استلام إشعار التقاعد تجد هذا الشخص قد قفز بحياته من العمل الذي قضى فيه عشرات السنين وخاصة العمل الروتيني إلى حياة جديدة وبرنامج مختلف كلياً عما تعود عليه في تلك السنوات.

هناك من خطط قبل بداية هذا المشوار بسنوات قبل الانتهاء كلياً من مراحل الحياة العملية وبعضهم ينتظر يوم خروجه من العمل دون تخطيط ما بعد التقاعد ويدع الأيام والظروف هي من تحدد مستقبل حياته اليومي فيجد نفسه محاصرا بين الوقت وجدران الحيرة.

أرقام المتقاعدين عن العمل تشير أن الاستقالات الاختيارية هي الأكثر عدداً بين جميع الشرائح الأخرى وهذه الأرقام تدل على أنه القرار الأمثل حتى لا يظل الموظف رهينة العمل حتى آخر يوم إلا إذا كان مضطراً وتجبره ظروفه على ذلك كالذي عليه التزامات مالية مثلاً.
هناك فئة الانشغال الذاتي والتي كرست وقتها بعد التقاعد بقضاء أكبر وقت في أعمالها الخاصة كالتجارة أو غيرها حيث تأخذ جهداً ووقتاً لا بأس به بل قد يقضوا أوقاتا أكثر من ساعات العمل من التي كانوا يقضوها في أعمالهم السابقة وذلك بهدف تطوير ما بدأوه أو إنشاء مشاريع بأفكار جديدة وإثبات الذات في صراع مع الربح والخسارة والوقت، وهناك آخرون لربما التحقوا بعمل آخر بعقد عمل مؤقت بعد تقاعدهم كدخل إضافي أي أنهم اكملوا مشوار العمل ولكن من باب آخر بهدف الدعم المادي.
مثل هذه الفئة من الصعب أن تشارك في أعمال تطوعية أو مجتمعية وتساهم بشيء من وقتها إلا ما ندر كونها مرتبطة ومشغولة مع نفسها وهي من المؤكد أنها تخدم ذاتها وأسرها ومجتمعها ووطنها ولكن بطريقة أخرى أنها التنمية الذاتية.
أما الفئة الثانية فهي فئة الخاملين برغم صحتهم حيث لديهم من الوقت ما يكفي ولكنهم يقضون جل أوقاتهم في النوم أو أمام التلفاز أو المقاهي واللعب على الطرقات والهدف الرئيسي فقط قتل الوقت والاستمتاع مع الأصدقاء والذين هم كذلك لا يختلفون عنهم في نفس الهدف بل بعضهم حتى لا يوفر وقتاً للمكوث في بيته والاهتمام بأبنائه ومتابعتهم وإعطاء حقهم من الوقت كأسرة.
البعض أصبحوا شخصيات مختلفة عما كانوا عليه في أيام عملهم حيث كانوا يلبسون افضل الثياب محافظين على أناقتهم بينما بعد التقاعد تجدهم غير مهتمين بمظهرهم أو ممارسة الرياضة!. نتمنى أن تغير هذه الفئة مسار استغلال وقتها وترجمته للأفضل والذي سوف يعود عليها بالنفع.
أما الفئة المتألقة هي التي ينخرط أصحابها في الأنشطة والمشاريع الأهلية ويسخروا شيئاً من وقتهم للأعمال التطوعية بتحويل خبراتهم إلى مدرسة يستفاد بها سواء على مستوى المحيط بهم أو على مستوى الدائرة الأوسع على مستوى الوطن.
إن أي أعمال بسيطة يقوم بها المتقاعد لقضاء وقته في خدمة مجتمعه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة هو في حد ذاتها قمة من التميز والعطاء بعد أن كان عمله يأخذ منه الوقت الكثير والتي لم تمكنه من المساهمة في الأعمال التطوعية أو أي عمل اجتماعي يثري به المكان الذي ينتمي أو يعيش فيه.

الأكيد أن كل من يبادر ويقدم خدمات في أي مشروع سواء كان أهليا أو على مستوى بلدته او الوطن فيه شيء من الثقافة الراقية كونه جزءا لا يتجزأ من المجتمع وما يقوم به الفرد ما هو إلا مكملا لغيره ومتولدا من حس المسؤولية والغريزة الإنسانية الساعية لمساعدة الغير.

هناك الكثير ممن غيروا حياتهم والتي كانت روتينية يوما ما في العمل حتى انتقلت الى مرحلة من النشاط والحيوية وإنتاجيه مختلفة عما كانوا عليه عندما كانوا موظفين يخدمون لدى مؤسسة ما سواء حكومية أم خاصة كمرؤوسين بغض النظر عن المنصب الذي كانوا يتقلدوه.
حتما مثل هذه الأنشطة والمشاركات تعطي من الطاقة الإيجابية والروحية والإحساس بالأهمية الوجودية والرضى النفسي وحب الوطن مقابل ما يقدموه لمجتمعهم.
الذكي هو من يحافظ على توازن وقته بين واجباته المجتمعية وحياته الشخصية العائلية وصحته البدنية والنفسية بإبراز ذاته ومواهبه وأن كل ما يقدمه يجعله فعلا إنسانا يمثل فلسفته للحياة وقيمته الذاتية دون البقاء متمركزا مهمشا نفسه في الصفوف الخلفية من المجتمع بعد أن كان شعلة ملتهبة من الحيوية أيام عمله كموظف.فأختر إلى أي الفئات تنتمي.